تغيب الدولة ذات السيادة والتي ينفذ فيها القانون وتتمسك بالدستور في معظم بلداننا العربية رغم وجود أنظمة حكم وجيوش واعلام ونشيد وطني، ومظاهر هذا الغياب تتجلى في الضعف الذي اصبح مكشوفاً وظاهراً وخاصة بعد موجة الربيع العربي التي أحدثت خللاً عميقاً في هياكل دولنا العربية ونظامنا العربي السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي..
ما كنا نعتقد أن دولنا القطرية التي توقعنا أن تسعى لمزيد من الرسوخ في تأكيد هويتها تمهيداً لبناء علاقات متكاملة مع محيطها العربي على شكل كتل اقتصادية يحسب حسابها أن تتراجع إلى هذا المستوى الذي يسمح بالتدخل في شؤونها من الخارج وبضعف ينخرها في الداخل ونماذج ذلك واضحة حين كانت الطائرات الأميركية بلا طيار تقصف المواطنين اليمنيين وتقتلهم على ارضهم بحجة أنهم من تنظيم القاعدة وأن النظام اليمني حتى زمن علي عبدالله صالح وقبل الربيع اليمني لم يكن قادراً على ذلك وبالتالي فقدت الدولة جزء من سيادتها ورأينا مثل ذلك بوضوح في ليبيا التي ضعفت فيها الدولة ضعفاً جعل المليشيات المتشكلة باسم الثوار ترهن ارادة الدولة بل ويصل نفوذها واستقواؤها حد خطف رئيس الوزراء (زيدان) والتحقيق معه ثم اطلاق سراحه..وقد رأيت من قبل بأم عيني حين زرت ليبيا بعد سقوط القذافي وكنا في وفد رئيس الوزراء الدكتور الخصاونة كيف أن رئيس الوزراء الليبي السابق آنذاك (عبد الكريم الكيب) يستأذن الذين كانوا يحتلون المطار في بنغازي وهم أحد الفصائل الثورية ليسمحوا له بالدخول لاستقبال رئيس الوزراء الاردني ثم بعد ذلك كان الوفد الأردني في عهدة هؤلاء الذين سلموهم لجماعة أخرى بعد مغادرة المطار والى الفندق وقد وصل التسيّب حداً كبيراً جعل الولايات المتحدة التي قتل سفيرها في مدينة بنغازي جهاراً نهاراً في اقتحام مكاتب للسفارة دون أن تقوى ادوات الدولة الليبية الرسمية على حمايته..وقد بلغ الأمر من الاستباحة ذروته حين أقمت الولايات المتحدة قبل أيام على خطف (أبو أنس الليبي) أحد قيادات القاعدة من منزله في طرابلس أم مشاهدة عائلته وهذه سابقة خطيرة تلفت الانتباه وتجعل أسوار الدولة واهنة وتغلب عليها القانون الدولي أحياناً وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية أحياناً أخرى رغم ان الأميركيين غزوا أفغانستان والعراق ودول ومواقع أخرى بحجة انتهاك الأمن الوطني أو التعدي الأجنبي على السيادة القومية الأميركية سواء كان الاعتداء على اشخاص أو سفارات أو مصالح بعد أن أباحت الولايات المتحدة لنفسها وتحت شعارات شن الحرب على الارهاب غزو دول ومقاتلة أفراد فيها أو أسرهم فقد قتلت بن لادن في أفغانستان والزرقاوي في العراق وفعلت الكثير..
الدولة العربية القطرية الآن مهددة بالتهشيم والتشويه والاختصار للسيادة والنفوذ والقدرة حتى على حماية نفسها ودستورها والدفاع عن قوانينها ومواطنيها فإلى اين يذهب الواقع العربي في افرازاته وإلى أي مدى يمكن أن تصمد الدولة القطرية العربية بوضعها الحالي أو تقبل التحديات خاصة وأن الضعف الذي أصاب أنظمة العرب جاء من الشارع ومن وقف تاييد الولايات المتحدة الأميركية للأنظمة والبحث عن تحالفات بديلة عنها..
أصبح ضرورياً مراجعة الحالة العربية على المستوى القطري فالمستوى القومي لمعاينة حالة الأمن القومي العربي المنتهك في مواقع عديدة من امتداداته ومنذ زمن لدرجة أن البعض بات يعتقد ان حمى الأطراف في حد ذاته نصراً يحتفى به خاصة بعد ضياع ما يقارب نصف السودان وبعد أن أصبح تقسيم كثير من البلدان العربية برسم التنفيذ نتاج لصراعات داخلية وحروب أهلية وطائفية وأثنية ولجوء أنظمة الحكم واضطهادها لشعوبها وأيضاً ما تلعبه القوى الاستعمارية الخارجية من دور في تفتيت العالم العربي ورهنه للتخلف حين جرى التواطؤ لتسليم مقدراته لقوى رجعية وسلفية توفر الذرائع لاستمرار الصراع وغياب الاستقرار والحرب على الاسلام السياسي فهل ينتبه العرب لمصيرهم ومستقبلهم وحقهم في تأسيس دولهم وكياناتهم القوية؟
alhattabsultan@gmail.com