عروبة الإخباري – ليست المرة الاولى التي يتحدث فيها جلالة الملك عبدالله الثاني عن حالة الترهل في القطاع العام والحاجة الملحة لتعزيز ثقافة التميز ، فقد شدد جلالته اكثر من مرة على معالجة الاختلالات في الجهاز الحكومي وصولا الى حالة يريدها ونريدها جميعا وهي الافضل في تقديم الخدمة سواء للمراجعين او المستثمرين او اي من المتعاملين مع هذا الجهاز .
جلالته يطمح للتميز دوما ، بل ومن خلال جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الاداء الحكومي والشفافية كان الطموح ان يصل القطاع العام الى حالة من الابداع، الا ان النتائج على الواقع فاجأت الجميع ولعل التأخر في اعلان نتائج هذه الجائزة الرفيعة كان متعلقا بحالة من الاحباط لما آلت اليه اوضاع مؤسسات ودوائر حكومية بعضها لم يتقدم أصلا للجائزة وغيرها لم ترشح حتى موظفا متميزا واحدا.
اين تكمن المشكلة؟ في رأي عدد ممن تحدثوا لوكالة الانباء الاردنية (بترا) فالمعضلة الاساسية تتعلق بكفاءة المسؤول الاول في المؤسسة ، وفي رأي ثان : تخبط الخطط الرامية الى تنفيذ برنامج اصلاحي اداري كان حاضرا على جدول اعمال حكومات متعاقبة ، ورأي آخر يقول : غياب الشفافية وعدم تطبيق العدالة سواء في تقديم الخدمة او في ايلاء المسؤوليات القيادية.
ان ما ذهب اليه جلالته في حديثه خلال حفل مركز الملك عبدالله الثاني للتميز ، وصراحة المركز باعلانه اسماء مؤسسات بعينها ما زالت دون المستوى الاداري المطلوب ، يتطلب جهودا استثنائية وطارئة ، فكما اشار جلالته “من غير المقبول ان يتراجع جهاز الادارة الاردنية ” الذي كان لعقود مضرب مثل وقصة نجاح اذا كنا نتحدث عن اصلاح شامل حقيقي.
عضو مجلس امناء مركز الملك عبدالله الثاني للتميز عبدالله عليان قال : كنت في الدائرة المغلقة التي جمعتنا مع جلالة الملك في الاجتماع الذي سبق اعلان نتائج جائزة الملك عبدالله الثاني لتميز الاداء الحكومي والشفافية ، وما يمكن ان اقوله عن ما تفضل به جلالته عن القطاع العام، بان ذلك كان رسالة للاردنيين ، كل الاردنيين العاملين في القطاعين العام والخاص بان لا بديل الا التميز والبديل الآخر يعني التراجع والخسارة .
واضاف ان يعتاد الموظف او المسؤول على ان يقف حيث هو وان يحافظ على منجزاته دون التقدم فهذا اصبح من الماضي فنحن امام تحد رئيس وطريق واحد وهو التميز ، او على الاقل ان نبذل ما يكفي من جهد لنقنع الآخرين باننا نتجه نحو الافضل ولا نركن الى ما وصلنا اليه فحسب.
وقال في حديث جلالة الملك كانت رسالة من سيد البلاد الى الحكومة مباشرة ، مشيرا الى ان الخطوتين المهمتين اللتين اتخذتهما حكومة الدكتور عبدالله النسور في الاشهر الاربعة الاخيرة وهما اقرار نظام استحداث الدوائر والهياكل التنظيمية ونظام شغل الوظائف القيادية (الفئة العليا) في جهاز الدولة لا بد وان يكون الالتزام بهما كاملا وبشفافية عالية .
وتابع عليان : لا يمكن ان يكون التميز واقعا ولدى اي من ابناء الجهاز الحكومي اي شك او ريبة او مخاوف او عدم موضوعية في تطبيق هذين النظامين على جميع اجهزة الدولة .
وزيرة التخطيط السابقة سهير العلي قالت : اقرأ في رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني وهو يتحدث عن القطاع العام انه يطمح للافضل دوما خاصة عندما يتعلق الامر بتقديم الخدمة للمواطن الذي هو محط اهتمام ورعاية دائمة من لدن جلالته .
واضافت “العلاج بالقيادة” فقائد المؤسسة هو الذي يصنع خطوات النجاح ، وحين يكون الاساس متينا نمضي في التميز والحضور ، فلا تقدم دون كوادر بشرية كفؤة ومؤهلة .
واضافت حين تتشعب الجهات التي تتعامل معها اي دائرة او مؤسسة عامة او بالاصح حين يتعدد الشركاء داخل الوطن وخارجه فان مقياس الاداء يكون بمدى القدرة على الموازنة في نجاح تقديم الخدمة لتستفيد جميع الاطراف على حد سواء ، وهنا اشير الى وزارة التخطيط كمثال على ذلك حيث استطاعت التميز اكثر من مرة وحافظت على هذا المستوى بل وسارت في طريق التطور .
وزادت : القائد هو القدوة وعليه ان يمارس افضل الممارسات في عمله في تقديم الخدمة للمواطن وان يكون مثالا يحتذى به وان يولي الاهتمام بالموظف المتميز وكذلك بتصحيح مسار من لا يعطون بالدرجة المطلوبة بتأهيلهم وتدريبهم اذا اراد ان يغير خارطة اداء المؤسسة للافضل .
وتابعت العلي : الانسان الاردني بطبعة كفؤ وقادر ، والنجاح يأتي بالنجاح والتميز اسلوب حياة علينا ان نؤمن بجدواه وهو ما عناه ايضا جلالة الملك الذي كان واضحا وصريحا كعادته حين تحدث عن اهمية مأسسة ثقافة التميز في الجهاز الحكومي للنهوض بأداء القطاع العام، وحين شدد على ان الإدارة الأردنية، التي حظيت في السابق بمكانة رائدة في تميزها، شهدت مؤخرا تراجعا في الأداء وترهلا غير مقبول يجب العمل على تداركه وإصلاحه خدمة لصالح الوطن حاضره ومستقبله.
الوزير السابق الدكتور بسام العموش قال ان موضوع التنافس بين مؤسسات الدولة لتحقيق التميز بدأ منذ العام 1999 وجاء كحافز للادارة العامة التي تحتاج اضافة للقوانين والانظمة المتعلقة بها الى اسلوب تحفيزي يؤهلها للمزيد من العطاء والتقدم.
واضاف ان تقدم اي مؤسسة مرتبط بقائدها واذا كان هذا المسؤول مناسبا في موقعه ويؤمن بالعمل الجماعي وبان اي جائزة تحصلها مؤسسته هي نجاح لجميع العاملين فيها ونتاج لعملهم فان النتيجة بلا شك ستكون في مصلحة الوطن والمواطن .
وقال ان المواطن رقيب على عمل المؤسسات ووجودها اصلا لخدمته قبل اي شيء آخر وهو الاقدر على الحكم على نجاحها او تعثرها .
واضاف بلا شك نحن نحتاج لجهود وطنية متكاملة في سبيل اختصار العمل الاداري فالمواطن او المستثمر لا يعنيهما البيروقراطية التي تسود مؤسسات عدة لا تتعامل باختصار التواقيع على المعاملات ولا بتفويض الصلاحيات .
وقال ان تمركز المسؤولية بشخص واحد تعني تخلفا اداريا فالادارة سريعة الانجاز هي الادارة الناجحة في تقديم الخدمة اضافة الى ان ما يتم من تعيينات خارج الحاجة يرهق المؤسسة اداريا وماليا فلدينا امثلة كثيرة على وجود موظفين لا يعملون ولا ينتجون وهم عبء يؤخر عمل المؤسسات .
واكد الدكتور العموش اهمية اعداد تقرير اداري سنوي لكل مؤسسة يقيس فاعلية كل موظف فيها ويركز على انتاجيتهم فالعبرة ان لا يقاس الانجاز بساعات الدوام ، بل ماذا نقدم من خدمات للمواطنين .
وقال ان انجاز اجهزة الدولة هو انجاز متكامل فلا توجد مؤسسة تعمل لوحدها وكل القطاعات مرتبطة ببعضها البعض ركيزتها الاساسية الموظف الذي يجب الاعتناء بتأهيله وتدريبه ، “للاسف وفي فترة من الفترات كانت مخصصات التدريب من دول مانحة تذهب لشراء الاثاث مثلا ، وهذا تقصير في ادراك المسؤول لاهمية التدريب ونجاعته في معالجة الاختلال الوظيفي”.
ونوه الى ضرورة العمل بجهد جماعي لايجاد حلول لمشكلات الموظفين الذين يعانون من وجود عدم عدالة او يطالبون بحقوق يشعرون انها تنقصهم شرط ان لا يكون ذلك على حساب اداء العمل ووقت العمل ، فبعض المؤسسات حين يضرب موظفوها عن العمل يكبدون المواطن قبل ان يكبدون الحكومة او الدولة خسائر لا يمكن تعويضها .
الوزير الاسبق مازن الساكت قال ان جلالة الملك بصفته اعلى سلطة ينبه الى اشكالية موجودة في الادارة العامة ليكون ذلك اشعارا وتحفيزا على اهمية اجراء عملية اصلاح وتطوير شاملة في ادارة اجهزة الحكومة ككل .
وقال ان ثقافة التميز التي يركز عليها جلالة الملك هي احدى ادوات تحفيز الاصلاح ورفع كفاءة الاداء والتخلص من ظواهر الترهل وهذا يحتاج الى برنامج شامل في الادارة العامة يبدأ من سياسات التعيين والحرص على العدالة والكفاءة ثم تأتي عملية ان التقدم في الوظيفة العامة يستدعي تقييما حقيقيا في مكافأة الجهد المتميز واختيار القيادات ضمن هذه العملية .
وتابع للاسف فان عملية التقييم في غالبية مؤسسات القطاع العام ما زالت تحكمها العلاقات الشخصية لتصبح هذه العملية التي تعنى بالتقييم الفردي للموظف مضيعة للجهد وتفقد اهميتها لانها ليست تقييما حقيقيا ولا تؤدي الغرض الرئيس منها والذي ارى انه تحديد مستوى الاداء وبرامج التدريب وعدالة الاختيار في التقدم وتسلم المسؤولية .
وزاد : ان هذا الامر ينطبق على جميع المستويات الادارية بما فيها العليا والوسطى .
وبين الساكت ان رفع كفاءة الاداء ومحاربة الترهل في المؤسسات وتحويل عقلية السلطة في الوظيفة الى عقلية خدمة المواطن تحتاج الى اعادة نظر في معايير التقدم المؤسسي فلا نلجأ الى معايير منقولة لا يستطيع الجهاز الوظيفي استيعابها والتعامل معها .
واختتم الحديث بالقول لا نريد ان يكون معنى التميز تحويل المؤسسة الى حالة حضارية بشكل مظهري لنقول انها تطورت قالموضوع اعمق من ذلك بكثير ويحتاج الى اهتمام المسؤولين جميعا في السلطة التنفيذية وتفعيل مبدأ المساءلة الذي اعتبره جزءا من تطوير انظمة الحوافز .
وزير تطوير القطاع العام الاسبق ماهر المدادحة قال ان جلالته نبه في حديثه عن القطاع العام الى قضية مهمة جدا وهي قضية حاضرة على جدول اعمال حكومات متعاقبة ، من خلال برنامج اصلاح القطاع العام باعتباره احد الركائز الاساسية للاصلاح الاقتصادي .
واضاف : القطاع العام الكفؤ يعني كفاءة اعلى في ادارة الموارد وتوجيه الانفاق العام نحو الاولويات وخفض الانفاق الجاري وذلك كله يؤثر ايجابا في خفض عجز الموازنة ، هذا من الجانب الاقتصادي .
وتابع : اما من على المستوى الاداري فهو يعني رفع مستوى كفاءة تقديم الخدمات للمتعاملين مع اجهزة الحكومة المختلفة سواء كانوا مواطنين او مستثمرين .
وقال ان ازالة الترهل والتشوه الموجود من حيث تكدس الموارد البشرية والحد من ما يسمى البطالة المقنعة داخل الوزارات والدوائر الحكومية والتي تتسبب بسلبية على مستوى الخدمة والجهاز الحكومي بشكل عام ضرورة ملحة للبدء في تنفيذ برنامج اصلاحي اداري سليم .
واضاف: ان ما تفضل به جلالة الملك حول ترهل القطاع العام واهمية مأسسة ثقافة التميز لا بد وان يكون على رأس الاولويات لدى الحكومة اذا ارادت معالجة الاختلالات التي تواجه الاقتصاد الوطني فباعتقادي ان برنامج اصلاح القطاع العام هو الاساس وصولا الى جهاز حكومي رشيق قادر على تقديم الخدمة باعلى مستوياتها وباقل مقدار من الكلفة على الخزينة العامة .
وتحدث المدادحة عن مفهوم ثقافة التميز قائلا : هو الارتقاء مستوى كفاءة وفعالية وانتاجية لجهاز الحكومة بجميع مؤسساته وموارده البشرية وصولا الى الحالة المرغوب فيها من المستوى المتقدم بل الوصول الى حالة المثالية .
واضاف ان التميز حالة مستمرة يجب المحافظة عليها وليس فقط الحصول عليها لذلك فان مأسسة عملية التميز يجب ان تكون جزءا اساسيا من ثقافة العمل المؤسسي./بترا