الروشيتة التي كتبها الصيدلي عبد الرؤوف الروابدة في تعريف الحزب أثناء كلمته في اشهار مبادرة زمزم للبناء دقيقة وهي بحاجة الآن لمن يصرفها ولا يستبدل وصفتها بغيرها بعد أن ظلت مشكلتنا المتراكمة هي في تجميع الوصفات وعدم صرفها يقول الروابدة من موقع اكتسابه لخبرات واسعة واطلاعه على تجارب عديدة «إن الحزب مجموعة من الافراد لها رؤية سياسية مشتركة تعمل لتوالي الحكم عبر تشكيل الحكومات أو المشاركة فيها أو عبر التأثير على قرارات السلطة الحاكمة بأسلوب ديمقراطي»..
والسؤال اذا كان الأمر كذلك فلماذا لا ينخرط كبار رجال الدولة في احزاب تحملهم إلى السلطة لانفاذ برامجهم بدل استمرار الصراع عليها بوسائل أخرى ظلت بديلاً.. فهناك مسافة ما بين القول النظري وما بين تلبية نداء الواقع الذي يجب أن يجري بناؤه..
لماذا لا تقتنع النخب السياسية بهذا الكلام وتدخله إلى التشريع وقانون الاحزاب وبناء الحياة السياسية العامة فنختصر الوقت والمعاناة؟ أم أن الطرق الأقصر والأسهل ما زالت متاحة بوسائل أخرى مما يبقي بضاعة الاحزاب كاسدة أو حتى لا يسمح بقيام أحزاب حقيقية وسليمة ولماذا عشنا مرحلة من ضياع الوقت والمماطلة وقلب حقائق الواقع حين انتظرنا طويلاً القائمة الحزبية التي جرى اجهاضها وسميت الوطنية ثم ما لبثت أن جرى حشوها برواد الصوت الواحد من الذين لم تجمع عليهم عشائرهم أو لم يجر اعطاؤهم دوراً فيها فذهبوا بتفكيرهم وأساليبهم ورؤيتهم إلى القوائم وأخذوا وعدنا إلى نقطة الصفر وإلى المربع الأول..
ماذا يضيرنا لو صنعنا وتوافقنا على قانون انتخاب يعظم العمل الحزبي ويعطيه المساحة الأوسع ليكون بديلاً تدريجياً لأشكال أخرى من التراكيب الاجتماعية والسياسية لم تعد قادرة على خدمة الأهداف الوطنية وان تمسكت بها قوى نافذة خدمة لمصالحها..
لماذا لا نسرع في سن قانون انتخابات يتضمن نصاً صريحاً فعادة ان من لم يكن حزبياً لا يحق له الترشح في القائمة الحزبية بعد ان نجعل أغلبية المقاعد للقائمة الحزبية ونكون بذلك قد حسمنا الأمر وقطعنا شوطاً واسعاً من البناء السياسي ومسيرة الاصلاح وصواب التمثيل؟ ما الذي يمنع ذلك وقد جربنا أشكالاً أخرى حين بقينا نهرب من استحقاق التمثيل الحقيقي وتسعى أطراف عدة لاضعاف البرلمانات ومجالس الشعب اقتفاء لنهج بدأ منذ تأسيس المملكة حين كان يجري الاستعداء على البرلمانات وتمكين الحكومات من التغول عليها..
دفعنا ثمن أشكال مختلفة من التجريب في قوانين الانتخاب وخاصة مع قانون الصوت الواحد وكانت النتائج ما علمنا «وما هو عنها بالحديث المرجم» وأصبحت حالتنا مع هذه النتائج كحالة «مسترخص اللحم والذي وجدناه في المرق» حين حصدنا برلمانات ما زالت قاصرة عن تلبية طموحات شعبنا.. لترتفع أيدي الشد العكسي عن الحبال ولنعد توظيف زخم المطالبة بالاصلاح بعد ان هدأت الدعوات الحادة اليه وبعد أن اختار شعبنا الاعتدال وانحاز اليه وما نموذج مبادرة زمزم الا نموذج يحتاج الى تدعيم واسناد..
لدينا الآن الوقت المناسب وبسرعة لاعادة قراءة الواقع الأردني قراءة موضوعية بعيدة عن الاسقاطات الجاهزة وتأثيرات مراكز القوى ذات المصلحة في رهننا في المربعات الأولى واذا كان الطلق الذي لا يصيب يقوي فإن ما شهدناه من ربيع عربي واردني لا بد أن يترك فينا دروساً تجعلنا أكثر استيعاباً من غيرنا من الذين لم يقرأوا طقوس بلدانهم فاقتلعتهم العواصف وأخذهم السيل..
سررت لتداعي الأردنيين بشكل كبير واقصد المثقفين والمجموعات المهتمة بالسياسة اذ لا أستطيع أن أقول بعد الطبقة السياسية لاننا ما زلنا نفتقر اليها حين جرى اشهار مبادرة زمزم لتكون تمريناً حياً على أن الفكرة الصائبة فكرة جاذبة يلتقي عليها الجمهور ويباركها ويتطلع لنتائجها..
فالذين أشهروا زمزم أدركوا أمام ضغط الشارع الأردني وميله إلى الاعتدال وحرصه على سلامة وطنه أنهم لا يستطيعون المضي مع المجموعات المتطرفة في نفس القارب فنزلوا من القارب ليستقلوا غيره رغبة في الوصول إلى الأهداف الوطنية وشعارهم «الوطن خارج المساومة» والأردنيون يتحملون مسؤولية حمايته مؤمنين أن مواجهة خطاب الكراهية ضرورة وطنية ويحتاج الى حزم لأن الواقع الأردني لا يقبل ترف الانتظار ولا يحتمل التنافر والانقسام.
alhattabsultan@gmail.com