قرار مجلس الأمن رقم 2118، يثبت، للمتابعين، قدرة الدبلوماسية الروسية وسطوتها التفاوضية، في فرض رؤيتها، عند صياغة فقراته التي جاءت لترسم خطوطا عريضة صارمة لسياسات التعامل مع الأزمة السورية بما يخدم مصالح كل الدول فيما عدا سوريا نفسها أو الدول العربية حولها.
لقد غيبت في القرار، (فقراته ال28) أية إشارة لمسؤولية نظام الأسد عن استخدام السلاح الكيميائي 12 عشرة مرة ما بين نيسان و21آب/2103، حسب استخلاصات فريق الأمم المتحدة الخاص بالتحقيق في استخدام هذا السلاح، (نيويورك تايمز،4/9؛) أو أية إشارة للوحدة 450 في الجيش السوري ( بإمرة الرئيس بشار الأسد، نفسه) وهي المسؤولة عن إدارة واستعمال الأسلحة الكيميائية، وصاحبة القدرة الفنية والعلمية على ذلك.
ثم عبء الفراغ الناجم، عن هذا التغييب، بإشارات واضحة، في الفقرات (5، 18، 19،) التي تعمم الاتهام باستخدام السلاح الكيميائي، وتوجهه نحو كل فئات المعارضة-(non-State actors)- التي أوقفت في صندوق الاتهام، جنبا إلى جنب، مع النظام، تتساوى معه في إمكانية تحمل المسؤولية الجنائية، ريثما يصدر قرار نهائي بالإدانة، إن بقيت هناك ضرورة له.
قرار الإدانة، هذا، سيكون، على أي حال، لو ظهرت حاجة له، قرارا سياسيا كجزء، متفق عليه، من الترتيبات المرحلية لتسوية أميركية- روسية خاصة. وهي ترتيبات، يتضح، منذ الان، أنها قد صممت لتعطي النظام السوري كل الفرص لتسوية وضعه داخل سوريا، لفترة تكفي لمعالجة كل متعلقات الوضع، من حيث كثرة وخطورة الأطراف الداخلة في الصراع، بالدرجة الأولى.
بالإمكان الإشارة، هنا، إلى الخطوات التي بدأت الأطراف باتخاذها لاعتماد ذلك الترتيب بصورة نهائية. لقد اشار قرار مجلس الأمن إلى ضرورة عقد مؤتمر جنيف الثاني لتبني وتنفيذ ما ورد في بلاغ صدر عن مؤتمر جنيف الأول؛ وأن يشارك في المؤتمر كل ممثلي الشعب السوري-أي المعارضة والحكومة، بالإضافة للولايات المتحدة وروسيا الاتحادية؛ وربما بعض الدول الأوروبية، كفرنسا، أو بعض الدول المجاورة لسوريا.
هذه الأطراف لم يتم الاتفاق، حتى الآن، على مشاركتها، كلها؛ كما لم تسو، بعد، الخلافات بين الأطراف السورية حول طبيعة ما سيصدر عن المؤتمر وخاصة فيما يتعلق بدور أو مصير الرئيس بشار الأسد في حكومة الوحدة الوطنية المقترحة.
من جانب آخر، يجري الحديث عن اتفاق أميركي- إيراني وشيك قد تترتب عليه تغييرات في طبيعة العلاقات السياسية بينهما، سواء على مستوى علاقاتهما الثنائية، مباشرة؛ أم حول موقفهما مما يجري في سوريا ولبنان. تسلم الجيش اللبناني لنقاط عسكرية كانت لحزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك وصيدا، ربما أرادته إيران إجراء لبناء الثقة مع واشنطن علها تكسب بالدبلوماسية ما خسرته في المواجهة.
هي، في ذلك، تساوم، وبنجاح، حتى الآن، لإعطاء الأسد فرصة للبقاء، أطول مدة ممكنة، في اتفاق شبيه بما جرى في اليمن. وهو مطلب صار، كما يبدو، سهلا، اليوم، فبقاء الأسد صار مطلبا لكثير من الأطراف: إيران وروسيا، وبالتأكيد إسرائيل، والمحافظين الجدد، في الولايات المتحدة.
فبقاء الأسد هو الشرط الضروري توفره، دائما، لتبقى سوريا ساحة لحروب تصفية وانتقام لزمن كاف لتدميرها وتفتيت تماسكها كشعب ودولة وأرض.