عبدالله اسكندر/المقتلة العراقية

تشير الإحصاءات ان أكثر من ألف عراقي قضوا، خلال الاسبوع الماضي، بتفجيرات يبلغ متوسط عددها 15 تفجيراً يومياً، تضرب عشوائياً في أي مكان يمكن أن تركن فيه سيارة في أرجاء العراق أو تزرع قنبلة. وكثير من اعمال القتل هذه لا تستهدف اهدافاً محددة وانما القتل العشوائي فحسب، وفي أي مكان يمكن ان تصل اليه يد القاتل.
ويتضافر العجز وفقدان الارادة السياسية لدى الحكومة والاطراف السياسية في العراق ليجعلا من هذه المقتلة المتنقلة نوعاً من القدر الذي لا مرد له. فلا عمليات التنديد الواسعة حدت منها ولا الخطط الأمنية الكثيرة وضعت حداً لها ولا الاتفاقات ومساعي حلول الأزمة السياسية المستشرية قللت من عددها.
وكأن ثمة مصلحة لدى حكومة نوري المالكي في إبقاء هذا التحدي الامني جاثماً على البلاد، خصوصاً انها لا تتوقف عن اتهام فئات في المعارضة باحتضانه وتوفير البيئة الحاضنة له، وصولاً الى توجيه اتهامات قضائية بالارهاب الى شخصيات من مكونات معارضة.
وكأن ثمة مصلحة لدى المعارضة التي تركز حملتها على المالكي عبر استمرار التفجيرات الارهابية وعجزه عن التصدي لها. ويذهب بعض المعارضة الى اتهام أجهزة رسمية تابعة للمالكي بالتواطؤ مع منفذي تفجيرات وعمليات قتل وهجمات ارهابية، وخصوصاً عملية الهروب الكبيرة من السجون لمعتقلين بتهم ارهابية.
وفي الحالين لم يعد أحد في العراق يتجاهل أو يخفي الطابع المذهبي الحاد على كل المستويات، بغض النظر عن التوليفات التي تقدم هنا وهناك.
ثمة نظرية اساسية لدى مجموعة المالكي وحلفائه قوامها ان الارهاب قادم من الجوار السنّي من أجل القضاء على المكون الشيعي الذي بات متقدماً على مستوى الحكم ومؤسساته. وثمة نظرية مضادة لدى المعارضة مفادها ان الارهاب تغذيه ايران الراعية للشيعة العراقيين من اجل القضاء على المكون السنّي في البلاد.
وباتت النظريتان العماد الفكري للعمل السياسي في العراق، بما يعني انقطاعاً للحوار الوطني. بدليل ان كل محاولات الحوار لم تنجح حتى في اكمال التشكيلة الحكومية التي ما زال يتولى المالكي نفسه فيها حقائب اساسية بالوكالة نظراً الى عدم التوافق على من يتولاها استناداً الى اتفاق اربيل لتشكيل الحكومة الحالية. علماً انه في هذه الغضون، تعمقت لدى كل طرف نظريته، وصولاً الى اتهامات مباشرة من فريق المالكي لشخصيات سنّية بالارهاب، والى اتهامات مباشرة من فريق المعارضة للمالكي بالاستفادة من عمليات القتل المتنقلة من اجل الامتناع عن البحث في اي حل متوافق عليه للازمة.
وفاقم خطورة انقطاع امكانات الحوار الداخلي الشلل، المقصود ربما، لمجلس النواب الذي يفترض ان يكون مكاناً للمناقشة والحوار بين الحكومة والمعارضة. بالتأكيد يتأثر العراق بما يجري في الجوار، سواء من الغرب في سورية او الشرق في ايران، وبالمشاعر المذهبية التي تؤججها التطورات في البلدين. كما ان العراق تحول، منذ الغزو الاميركي، ساحة للصراعات الاقليمية وتبادل الرسائل بين دول الجوار، خصوصاً ايران وتركيا والخليج. لكن كل هذه الاسباب والعوامل لن تكون بمثل هذه الفاعلية التي توفر المناخات السياسية للمقتلة المستمرة لولا التربة المناسبة في الداخل.
لقد باتت هذه المقتلة في العراق، الآلية المتوافرة والاكثر سهولة للعمل السياسي، مع انقطاع الحوار الداخلي وانعدام الرغبة في السعي الى حل وطني حقيقي يأخذ في الاعتبار مصالح كل المكونات، وما يوفره هذا المناخ من بيئة حاضنة لاستمرار الصراعات الاقليمية.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري