في معرض تقييمه لحضوره إلى نيويورك ومشاركته في أنشطة واجتماع الدورة 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة علق حسن روحاني الرئيس الإيراني بأن النتائج ( فاقت التوقعات.. )، من جانبه أشار الرئيس الأمريكي أوباما تعليقا على قرار مجلس الأمن بصدد الملف الكيمياوي في سوريا بأنه ( انتصار هائل… )، تبادلا الهدايا وتحدث الرئيسان بالهاتف ليشكلا بذلك اختراقا متميزا في العلاقات الثنائية التي بقيت متوترة منذ حادثة احتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران كرهائن عام 79 وتفاقمت لاحقا في الخلاف حول الملف النووي. الدول الثلاث روسيا وإيران والولايات المتحدة توصلت كما يبدو إلى اتفاقات هامة على الخطوة القادمة فيما يتعلق بتحريك الملف النووي والملف السوري. وهو ربما الإنجاز الأبرز في هذه الدورة.
تحقق ما كان يتطلع له الغرب، الهيمنة على السلاح الكيمياوي السوري والخروج من حالة الاستعصاء في الملف النووي الإيراني مهدت له مرونة في الخطاب السياسي وحتى الموقف من جانب إيران في كلا الملفين ، منظومة المصالح الغربية والأمريكية منها على وجه الخصوص رغم عمق الروابط الاقتصادية والسياسية الكثير منها يتباين إن لم يتقاطع والمصالح العربية، وإيران تستخدم المصالح الغربية كساحة مناورة بينما عينها على المصالح العربية لا تغمض ولا تتحول، ولهذا تعرض الجزرة على الغرب لكنها تلوح بالهراوة على العرب بعين الوقت، إيران تبدي استعدادها لتقديم ضمانات جديدة بالتزامها ببرنامج نووي سلمي كما تشجع النظام السوري على التنازل عن السلاح الكيمياوي، حيث يخسر العرب عنصر ردع إستراتيجي لكنها بعين الوقت تشترط التفاوض على المصالح من أفغانستان إلى لبنان، حيث تكمن المصالح العربية، إيران تلعبها بذكاء، وتستثمر ظرف العرب وهم ليسوا في أفضل أحوالهم ولهذا المتوقع أن تدفع بالمزيد من اختراق المصالح العربية ، إيران من جهة تتشدد في الحفاظ بل وتدعم نظام موالي لها في سوريا رغم فاشيته في ذبح شعبه صباح مساء لمجرد أنه يطالب بحياة أفضل… وهكذا تبقى سوريا جرح غائر يستنزف العرب ويجرف من قوتهم، ومن جهة أخرى وبعد أن تمكنت من العراق فهي تعبث بأمنه ومقدراته وتنهب ثرواته، لاحظوا هي لم تعد تتحدث كما كانت في السابق عن العراق، كانت فيما مضى تخاطب الولايات المتحدة (…نحن على استعداد للجلوس مع الولايات المتحدة حول العراق ) وعلى اعتبار انتهى الأمر وسقط العراق في براثن دولة ولاية الفقيه وتكرس أمنيا وعسكريا أمس في الاتفاقية الدفاعية الموقعة بين العراق وإيران فلم يعد من الضروري إشراك أحد بملف العراق بل ولن تسمح إيران بالحديث عنه شأنه شأن الجزر العربية الإماراتية المغتصبة الثلاث وكذا الأحواز العربية المغتصبة أو كردستان المضطهدة أو ملف الظلم الواقع على المخالفين والمعارضين لنهج دولة ولاية الفقيه مذهبيا أو عرقيا أو سياسيا، الحديث في هذه الملفات خط أحمر غير مسموح به، لكن إيران وهي تواجه الحرج في مناطق نفوذ لم تستمكن فيها بعد، أوضاعها قلقة وتواجه تحديا حقيقيا، فإن إيران هنا على استعداد للجلوس مع أصحاب الشأن للحفاظ على ما تحقق أو الحصول على المزيد إن أمكن، وهنا يذكر حسن روحاني ( المعتدل جدا ) يذكر البحرين وسوريا ولبنان….لم يرد عليه مسؤول مستنكرا… وما هي علاقة إيران بمصير دول عربية ذات سيادة؟ لا أحد.
يخطئ من يظن أن إيران في طريقها نحو تغييرات هيكلية وجذرية في السياسة الخارجية، إنما هي تجري تغييرا تكتيكيا في السير وليس في المسيرة، وهذه السياسة تشكل أخف الضررين وهي بديل عن المواجهة ذات الكلفة العالية ترمي إيران من ورائها التخلص من إرث عرف بالتزمت والتشدد استقطب عداء العالم اجمع تقريبا وعرض إيران إلى ضغوط اقتصادية قاسية وعزلة دولية بل وحتى التهديد بضربة عسكرية، ولهذا فإن هدف التكتيك الجديد وهو بالمناسبة ( نوع من التقية السياسية ) لا يتعدى تفكيك وإجهاض العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي بأدنى كلفة ممكنة أو ربما دون كلفة إن أمكن، من أجل التحرر لأجل التمدد على الجانب الآخر، وأقصد به البعد الإقليمي، يستطيع المراقب لتطور الأحداث أن يلحظ أنه لا تغيير في سياسة إيران تجاه العرب لا تكتيكيا ولا إستراتيجيا، بل هي مازالت توغل في أذاهم، ما استطاعت لذلك سبيلا، وبقدر تورطها في إلحاق أكبر الأذى بالشعب السوري فإنها تفعل الشيء ذاته في العراق وتعبث بأمن لبنان كما تفعل في اليمن والبحرين، هي على الإطلاق ليست بعيدة عن التدهور الأمني الكارثي الذي يحصل في العراق اليوم إذ هي الدولة الوحيدة صاحبة النفوذ حيث لا تضارعها أية دولة أخرى ، نعومة خطاب حسن روحاني مع الغرب لايمكن أن تخفي حدة مخالب وأنياب الولي الفقيه ومؤسساته في تعاملها مع العرب وهي في كل يوم تنذرنا بالويل والثبور بتكنولوجيا عسكرية جديدة تعمق من حالة الخلل في التوازن العسكري، هي على مدى أشهر تكشف في كل يوم جديدا يعزز الترسانة العسكرية الإيرانية بالصواريخ بعيدة المدى وتكنولوجيا الفضاء والاتصالات وكان آخرها الإعلان عن تصنيع إيراني لطائرات من دون طيار بمدى 1700 كم لا تستطيع به الوصول إلى أراضي الولايات المتحدة لكنها تغطي المنطقة العربية بسهولة ويسر..
تنازلات إيران للغرب محسوبة لكنها مدفوعة الثمن من جهة مصالح العرب، وفي تصوري فإن مزيدا من التقارب بين إيران والغرب سيؤول إلى مزيد من الافتراق بين العرب وإيران، وهو ما ينبغي تجنبه، لكنه سيحصل متى بقيت الأحوال كما هي عليه، ولهذا تداركا للخطر لابد أن يحزم العرب أو حتى بعضهم أمرهم، ويوحدوا موقفهم، ويحددوا أهدافهم ومصالحهم وينسقوا مع تركيا ويجلس الجميع بعدها، العرب وتركيا وإيران وجها لوجه ودون وصاية من أحد في تفكيك المشاكل وحصر المخاوف بهدف البحث عن مشتركات توفر الأمن والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة أجمع. ليحصل التقارب الغربي الإيراني، ولا ينبغي أن نخشى أو نقلق على تداعياته لكن نحذر أن نكون نحن الضحية أو من يدفع الثمن، ولتكن مقاربتنا في هذا المجال وهذه المرة إقليمية.