سمير الحجاوي/مبادرة قطرية لإنهاء هيمنة الدول الكبرى

“تواجه ثورات الربيع العربي التي انتفضت فيها الشعوب العربية مطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية صعوبات تبدو وكأنها تعيد عقارب الساعة إلى الوراء”… هذا ما صدع به سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمام قادة العالم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك… تحذير في محله “كأن عقارب الساعة تعود إلى الوراء”، وكما قال الأمير فلا مجال لشعار “إلى الخلف در” لأن الشعوب تتحرك إلى الأمام دائما رغم الصعوبات والعراقيل والمؤامرات ولذلك فإن من يعلم حقيقة قضايا المنطقة العربية والسياق التاريخي يتبين له أن هذه الثورات تندرج في صيرورة تاريخية طويلة الأمد عرفتها العديد من الشعوب في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا. فطريق التحول نحو الحكم العادل وتلبية مطالب الشعوب في سائر دول العالم لم يكن أبدا طريقا سهلاً ميسوراً، بل كان درباً مليئاً بالتضحيات ولم يكن السير فيه ممكنا دون التزوّد بالصبر والعزيمة. فقلما وقعت ثورات من دون أن تعقبها محاولات يائسة من قبل النظم القديمة لإفشالها، ومن هنا يفضّل كل عاقل أن يجري تغيير الأنظمة بالإصلاح المتدرج، ولكن ثمّة حالات نعرفها جيدا في منطقتنا وفي مناطق أخرى من العالم تنسد فيها بوجه الشعوب إمكانات التغيير بواسطة الإصلاح”.

لا شك أن العالم العربي يمر في حالة مخاض عنيف فالثورة في مصر تعاني “نكسة” كبيرة، أما في سوريا فإن الوضع أكثر سوداوية وهو الواقع الذي دفع أمير قطر مخاطبة قادة العالم بقوله:” تستمر أعمال التدمير والمجازر المروعة وسياسة الأرض المحروقة والمدن المدمرة التي يمارسها النظام السوري بحق الشعب السوري الشقيق، والتي تجاوزت جميع الخطوط الحمراء التي تفرضها الأخلاق، ويوجبها القانون ولاسيَّما بعد استخدام النظام السلاح الكيماوي ضد شعبه.

ومن المؤسف أن يظل مرتكبو هذه الجرائم والمجازر الوحشية التي اهتز لها الضمير الإنساني دون ردع أو مساءلة، ويحمّل الأمير أعضاء مجلس الأمن النافذين مسؤولية ترك السوريين بين براثن الآلة العسكرية الهمجية البربرية الدموية لنظام الأسد الإرهابي ويقول إن ” المسؤولية عن الإخفاق في فرض الحل السياسي الذي نفضله جميعا في سورية يعود أساساً إلى عجز مجلس الأمن عن اتخاذ القرار اللازم لوقف إراقة الدماء واستمرار تعنت النظام السوري ورفضه لكافة المبادرات الإقليمية والدولية”.

وهذا ما دعا الأمير إلى المطالبة بإصلاح مجلس الأمن وتمثيل المجتمع الدولي بشكل عادل والتوقف عن احتكار القرار في هذا المجلس، والقول إن “عملية اتخاذ القرار في مجلس الأمن باتت بحاجة ماسة إلى التعديل لافتقارها إلى العدالة والموضوعية، كما أصبحت عائقاً أساسياً أمام حماية وحفظ السلم والأمن الدوليين، وأمام معاقبة مجرمي الحرب والمجرمين ضد الإنسانية”، كما قال الأمير في كلمته أمام قادة العالم.

لكن هذه الدعوة لإصلاح الأمم المتحدة تحتاج إلى تحويلها إلى فعل على الأرض من خلال تقديم “مبادرة لإصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن” وحشد التأييد لها بين دول العالم قبل عرضها على الجمعية العامة، تماما كما فعلت قطر في ملف تنظيم كأس العالم عام 2022، ولا شك أن الحملة لإصلاح الأمم المتحدة لن تكون أصعب من الحصول على حق تنظيم كأس العالم، ويمكن العمل من أجل هذا الهدف من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا أي “العالم الثالث” الذي اكتوى بنار الاستعمار وسرقة الموارد من قبل الدول الاستعمارية”، وستعمل قطر على وضع “وقود في المرجل” إذا وضعت مثل هذه المبادرة على طاولة البحث، بعد حشد تأييد دول العالم لإنهاء احتكار القرار في مجلس الأمن، بالتنسيق مع البرازيل والهند وإثيوبيا وجنوب إفريقيا وإيران وتركيا وماليزيا، وهي دول لها تأثير كبير في محيطها”

مثل هذه المبادرة ستضع الدول الكبرى “خاصة الاستعمارية” في مأزق كبير إذا رفضت الاستجابة لمطالب دول العالم في إنهاء الهيمنة على صناعة القرار في أهم مؤسسة دولية في العالم، والعمل للحشد لمبادرة إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن يحتاج إلى جهود كبيرة وعمل متواصل مع كل دول العالم الثالث الراغبة في الانخراط برفع ظلم “الدول المتنفذة” في مجلس الأمن..

صحيح أن المبادرة القطرية لإصلاح الأمم المتحدة لن تكون الأولى إذا قدر لها أن ترى النور، لكنها ستكون الأولى من حيث الفاعلية والحيوية والنشاط الحقيقي، وهذا يحتاج أولا إلى إقناع كل وسائل الإعلام في العالم بتبني هذه المبادرة، فالمعارك تكسب في وسائل الإعلام أولا، وهكذا يمكن أن تترجم دعوة الأمير لإصلاح مجلس الأمن.. وعندها يمكن أن تتوقف المجزرة المستمرة في سوريا ويهزم الانقلاب في مصر وربما تضع حدا للغطرسة الإسرائيلية التي تمثل آخر استعمار في العالم.

هذه المبادرة لن يكون الطريق أمامها سهلا ومعبدا، ولكنها مع ذلك تبقى ممكنة، لأن الظلم الذي يجتاح العالم يستحق المحاولة للوقوف في وجهه، فإذا ما نجحت فإنها ستكون إنجازا كبيرا للبشرية، وإذا فشلت يبقى لقطر شرف المحاولة وتعليق الجرس.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري