رفض المؤتمر العام الثالث للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي انعقد مؤخراً في العاصمة النمساوية فينا، مشروع قرار قدمته دول عربية، ينتقد ترسانة إسرائيل النووية، فقد صوتت إلى جانب القرار 43 دولة مقابل 51 دولة رفضته فيما امتنعت 32 دولة عن التصويت. إنها المرة الثالثة على التوالي، فقد جرت في عامي 2009 – 2012 محاولتان أيضاً، لكنهما فشلتا. نائب السفير الإسرائيلي دانيال دانيالي اعتبر “أن مشروع القرار يشكل تشويهاً لسمعة إسرائيل ويسهم – فيما لو نجح – في تسييس الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.. واستطرد: إن الدول العربية تتكلم كما لو أن المسألة الوحيدة المطروحة للنقاش هي إسرائيل، وليس الكميات الكبرى من الأسلحة الكيميائية لدى سوريا، أو التحدي الجوهري الذي يطرحه سعي إيران إلى حيازة أسلحة نووية”. السفير الأمريكي في الوكالة الدولية صرّح “بأنه لم يكن هناك فائز اليوم. لا نرى أن هذا الموضوع له مكان وسط نقاشات الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
غريب أمر هذا المجتمع الدولي! الذي يتعامل بمكيالين مع الدول، فممنوع على بعضها امتلاك أي أسلحة دمار شامل: نووية، كيميائية، بيولوجية، بينما مسموح لدول أخرى مثل “الدولة المدّللة” للغرب إسرائيل، مسموح لها امتلاك كافة هذه الأسلحة! الأغرب أن المجتمع الدولي ينادي بشرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية وجميع أسلحة الدمار الشامل. إن مجموع الدول التي صوّتت ضد المشروع والأخرى التي امتنعت عن التصويت يبلغ 83 دولة، وهو حجم كبير من الدول. ندرك الضغوطات التي مورست على دول عديدة من قبل الولايات المتحدة على مسؤولي هذه الدول لرفض المشروع. رفض مشروع القرار ضد إسرائيل هو تشجيع لها على الاعتداء على الفلسطينيين والعرب وحتى استعمال هذه الأسلحة في عدوانها عليهم، فقد استخدمت في العدوان على قطاع غزة 2008-2009 الأسلحة المحرمة دولياً من: فوسفورية وقنابل عنقودية، ووفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في العدوان على غزة برئاسة القاضي غولدستون، فإن إسرائيل اقترفت جرائم حرب في ذلك العدوان. إنها ليست المرة الأولى التي استعملت إسرائيل فيها هذه الأسلحة، فقد استخدمتها ضد لبنان في عدوان عام 1982 وعدوان 2006: قصفت مستشفيات ومدارس وسيارات إسعاف وملاجئ، واستعملت القنابل الفراغية. للعلم، فإن منظمات حقوقية فلسطينية وعربية رفعت على بعض القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، قضايا تتهمهم بارتكاب جرائم حرب (استناداً إلى التقرير الدولي) في محاكم كثيرة في العديد من الدول الأوروبية ودول العالم الأخرى.
معروف أيضاً ومنذ فترة طويلة وباعتراف خبراء تسليح عسكريين وبضمنهم إستراتيجيون أمريكيون أن لدى إسرائيل ما يقارب 400 رأس نووي وصواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل هذه الرؤوس، ولديها مخزون هائل من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. إسرائيل ترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وترفض الانضمام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وترفض إخضاع أي من منشآتها النووية إلى التفتيش الدولي! لقد ساعدت فرنسا إسرائيل في بناء مفاعلات نووية، ومن ثم الولايات المتحدة أسهمت في تطوير هذه المفاعلات، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة (عن طريق العملاء الذين جندّتهم إسرائيل في أمريكا من الخبراء في الأسلحة النووية). الولايات المتحدة هي الحامي الأول للترسانة النووية الإسرائيلية، وإبقائها خارج نطاق الانصياع للقرارات الدولية.
يبقى القول: إن الدول العربية بادرت إلى ما أسمته إستراتيجية السلام مع إسرائيل واقترحت ما أسمته “مبادرة السلام العربية” في قمة بيروت عام 2002، والسؤال للسلطة الفلسطينية والدول العربية هو: هل تمكن إقامة سلام مع إسرائيل؟ وهذا بدوره يقود إلى أسئلة أخرى: هل يمكن للولايات المتحدة أن تكون وسيطا نزيهاً بين العرب وإسرائيل؟ هل تصلح الإستراتيجية العربية والرسمية الفلسطينية في مواجهة الإستراتيجية الأمريكية-الإسرائيلية؟ أسئلة نطرحها برسم الإجابة! إن رفض مشروع القرار العربي هو بمثابة ترخيص دولي للنووي الإسرائيلي ولاعتداءات إسرائيل على الفلسطينيين وعلى الدول العربية.