سمير الحجاوي/طحن الإسلاميين والثورة في سوريا

الاشتباكات المتكررة بين مقاتلي الجيش الحر وعناصر “الدولة الإسلامية في العراق والشام” تضع الثورة السورية على مفترق طرق خطير، فالقتال بين “رفاق السلاح ” يعني إنهاء الثورة التي يخوضها الشعب السوري ودفع من اجلها أكثر من 120 ألف شهيد ونصف مليون جريح والكثير من التضحيات والمعاناة والألم.

هذه الاشتباكات بين الساعين لإسقاط بشار الأسد ونظامه الدموي في غاية التعقيد، فهو قتال بين الجيش الحر و”الدولة الإسلامية في العراق والشام” أولا، وقتال بين الجيش الحر وجبهة النصرة ثانيا، وقتال بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة ثالثا. مما يضع الثورة السورية في مأزق يبدد تضحيات الشعب السوري التي يمكن أن تذهب هباء منثورا بسبب هذا القتال الأحمق الذي لن يفيد إلا نظام الأسد وأعداء الشعب السوري، مما يجعل من التوصل إلى حل لهذا العبث الدامي أولوية ضرورية لتأمين استمرار الثورة حتى الانتصار وتحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة والتخلص من النظام البعثي وتسلط الأقلية، وهو ما لن يتحقق إلا إذا تضافرت الجهود على قلب رجل واحد.

وبكلام أكثر وضوحا فإن هناك مطلبا اختفاء ما يسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” من المشهد العراقي كليا بات ضروريا ومهما، لأن هذا التنظيم لا يتمتع بأي شرعية دينية أو جهادية، وهو يقاتل لحسابه الخاص فقط، لأنه يقاتل ضمن أي إطار تنظيمي له وجود اعتباري.

من المعروف أن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ظهر إلى الوجود في 9 أبريل من العام الجاري في رسالة صوتية لزعيم الدولة الإسلامية في العراق أبو بكر البغدادي، أعلن خلالها دمج “جبهة النصرة في سوريا مع الدولة الإسلامية في العراق وهو ما أثار لغطا كبيرا في حينه ورفضا من “جبهة النصرة لأهل الشام” التي بادرت في اليوم التالي، 10 أبريل 2013، وأعلنت ولاءها لزعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري على لسان قائدها محمد الجولاني في تسجيل بث على شبكة الإنترنت، وقال الجولاني:”إن البغدادي لم يستشر قادة جبهة النصرة بشأن إعلانه الذي بلغهم عبر وسائل الإعلام”. علما بأن “جبهة النصرة” التي أسست في أواخر عام 2011 هي الذراع القتالي لتنظيم القاعدة في سوريا، وتعتبر أقوى الفصائل المسلحة وأشرسها.

وبعد شهرين، وتحديدا في 9 يونيو 2013، أعلن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري حلّ “دولة العراق والشام الإسلامية” مع بقاء كل من “جبهة النصرة” و”دولة العراق الإسلامية” على حالهما، وتكليف أبي خالد السوري لحلّ الخلافات بين الجناحين، ودعاهما إلى التوقف عن أي “اعتداء” بينهما، وانتقد الظواهري إقدام البغدادي على إعلان الوحدة دون استشارة، وخطأ “جبهة النصرة بالرفض دون أخذ رأيه، مما يكشف عمق الخلافات بين جناحي تنظيم القاعدة في سوريا، وغياب التنسيق بينهما وعدم العودة إلى المرجعية والجنوح نحو “الاستقلالية التنظيمية” مما يؤشر على ضعف سيطرة الظواهري على التنظيم بعد مقتل مؤسسه وقائده التاريخي أسامة بن لادن، وقد ظهر ذلك في الرد العنيف والغاضب لأبي بكر البغدادي بعد أقل من أسبوع على كلمة الظواهري، ففي 15 يونيو أصدر البغدادي كلمة ردا على الظواهري قال فيها: “الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية ما دام فينا عرق ينبض أو عين تطرف، ولن نساوم عنها حتى يظهرها الله تعالى أو نهلك دونها”، وأضاف «ما تلبث الأيام أن تنجلي عن بصر ثاقب في الرؤية على المدى البعيد عجزت أبصار القاعدين وأصحاب الأهواء والمتخاذلين عن إدراكها، فيعود المنكِر إن لم يكن متعالياً مقراً ويعود المعترض موافقاً والذامّ مباركاً ولله الحمد”.

وفي هذا الكلمة خاطب البغدادي “زعيمه المفترض” بقلة أدب ووقاحة وتحد عندما اتهمه بأنه من “القاعدين والمتخاذلين وأصحاب الهواء العاجزة أبصارهم”، وهي لغة غير معهودة في الخطاب بين الإسلاميين وبين “جندي وقائده”، وهو غضب سببه رفع الظواهري غطاء القاعدة الكامل عن ” دولة البغدادي”، واعتماده “جبهة النصرة” كذراع حصري للتنظيم العالمي للقاعدة، وهذا ما يلغي نصف الشرعية عن “دولة البغدادي في العراق والشام”، أما نصف الشرعية الآخر فقد فقده هذا التنظيم برفض القوى الثورية السورية لوجوده والتشكيك بأهدافه ومرجعتيه، وبلغة أخرى فإن عناصر “دولة البغدادي” إنما جاءوا إلى الشام من أجل نصرة الشعب السوري وثورته، وبالتالي فهم ضيوف لنصرة السوريين، وينبغي أن يكون هذا الأمر برضا السوريين وليس رغما عنهم، فالبغدادي لا يملك حق نصرة قوم لا يريدون نصرته، وبالتالي فإن الواجب الشرعي عليه وعلى أتباعه هو مغادرة سوريا وترك الأمر للسوريين، فمن غير المنطقي أو المعقول أن تنصر قوما لا يرغبون بنصرتك، ومن غير “الشرعي” أن تقاتل “دولة البغدادي” في سوريا رغم آنف الظواهري، مما يثير الشكوك حول هذا التنظيم وتجعل من “دولة البغدادي” تنظيما لا شرعيا أو “عصابة مجهولة الأهداف” تفتح الباب لنحر الثورة السورية وتعرقل الانتصار على نظام الأسد الإرهابي.

بوعي أو بغير وعي فإن وجود تنظيم “دولة البغدادي” في سوريا يفتح الباب أمام الكثير من الشرور، فهو يعطل وحدة العمل الثوري بين الكتائب الإسلامية المختلفة ويفتح الباب أمام أعداء الثورة السورية الداخل والخارج للفتك بها بحجة وجود “متطرفين”، فقد أعلن الرئيس الأمريكي أن الهدف الإستراتيجي لبلاده في سوريا هو “إبعاد الأسد وتحجيم المتشددين الإسلاميين” وهو نفس الهدف البريطاني والفرنسي وبعض الأطراف العربية بل والسورية أيضا، فأول تصريح لرئيس ائتلاف المعارضة السورية، أحمد عاصي الجربا بعد انتخابه كان إعلانه التوجه نحو إنشاء “جيش موحد” لمقاتلة الجماعات المتطرفة والتصدي لهيمنتها، وهذا التصريح للجربا قد يعني أن التطرف قد يشمل “دولة البغدادي” و”جبهة النصرة” وغيرها من الكتائب الإسلامية التي لا يوجد معيار محدد لتصنيفها على أنها “متطرفة” أو “غير متطرفة” إلا حسب المعايير الغربية بالطبع، مما يحول المعركة في سوريا إلى معركة ضد “الإسلاميين” وليس نظام الأسد الإرهابي.

من الأفضل للثورة السورية أن تختفي دولة البغدادي عن المشهد نهائيا خاصة مع وجود البدائل، وسحب أحد أهم مبررات “تفكيك الثورة السورية”.. أما جبهة النصرة وباقي الإسلاميين فهؤلاء يحتاجون إلى وقفة أخرى.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري