يدل خلاف الديبلوماسيتين الأميركية والروسية على ترجمة اتفاقهما على إزالة ترسانة السلاح الكيماوي السوري بقرار عن مجلس الأمن، الى أنهما ما زالتا غير قادرتين على التفاهم في شأن اليوم التالي، بعد مباشرة وضع الاتفاق موضع التنفيذ، أي على جدول أعمال مؤتمر جنيف لإطلاق الحل السياسي للأزمة السورية وطبيعة هذا الحل، وماذا سيكون موقع الرئيس السوري بشار الأسد فيه.
الأرجح أن تتمكن الدولتان العظميان من التوصل الى تسوية ما حول صيغة قرار مجلس الأمن، (سواء جاء تحت الفصل السابع أم لا) تستكمل الاتفاق على تجريد النظام السوري من الكيماوي، لأن موجب هذا الاتفاق، أي تفادي الضربة العسكرية للنظام، سبب جوهري قاد الى هذا الاتفاق، وهو سبب كاف لعدم العودة عنه، فضلاً عن أن الدول الكبرى حين تنجز تفاهماً ما ليس من السهل على أي منها نقضه. ومع أنه سيصعب على موسكو أن تواصل محاولتها تبرئة الرئيس السوري من مسؤوليته عن استخدام الكيماوي، بعد أن اعتبرت أنها وطهران حققتا إنجازاً بالاتفاق على إزالة هذا السلاح، يطيل عمر رأس النظام ويحوّله الى مفاوض في العملية الطويلة التي يتطلبها تنفيذ الاتفاق مع الأمم المتحدة والخبراء الدوليين، ما يكرّس وجوده وشرعيته على رأس الدولة السورية في مرحلة البحث عن الحل السياسي في الأشهر المقبلة. فاتهام النظام بالمسؤولية عن مجزرة 21 آب (أغسطس) الماضي يجعل من المتعذر إبقاء الأسد مفاوضاً رئيساً في اليوم التالي وفي العملية السياسية المفترضة بعد أن تأخذ إزالة الكيماوي مسارها الطبيعي، بينما يعتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما أن «من الصعب جداً تصور أن تخمد الحرب في سورية إذا بقي الأسد في السلطة».
تختصر المناورات حول سبل تنفيذ اتفاق الكيماوي استمرار الخلاف على ما بعده. كانت موسكو وواشنطن توصلتا الى تسوية لمعادلة البدء بمفاوضات الحل السياسي مع الأسد في مسار ينتهي من دونه عبّر كل منهما عن قبوله بها بقول واشنطن إن بدء العملية السياسية ليس مشروطاً برحيله وبقول موسكو إن انتهاء العملية ليس مرهوناً ببقائه.
إلا أن هناك عاملاً آخر يتعدى ما يمكن أن تقبل به موسكو في هذا السياق هو موقف إيران. وإذا كان التقاطع الأميركي – الروسي على التخلص من الكيماوي السوري هو الحرص على أمن إسرائيل، فإن القيادة الروسية تدرك أن ضمان هذا الأمن من جهة «حزب الله» يتعلق بطهران. والعارفون يقولون إنها أبلغت ذلك الى الجانب الأميركي الذي انفتح في شكل مبكر على طهران وفق ما أعلنه أوباما وما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني. فالملفات العالقة بينهما تدفع طهران الى التمسك بالأسد في السلطة، وبدور «حزب الله» في سورية، (ودوره في لبنان طبعاً) كورقتين لن تتخلى عنهما إلا في سياق معالجة هذه الملفات مع واشنطن.
ومثلما أنه لم يكن في مقدور إيران أن تعترض على قرار موسكو أن يسلّم الأسد الكيماوي، فإن الأخيرة لا تستطيع الاعتراض على دور إيران في العملية السياسية، خصوصاً إذا كانت وما زالت تتمسك ببقاء الأسد، لأنها هي التي تتولى حمايته ميدانياً. إدراك واشنطن لذلك أطلق موسم التفاوض بينها وبين طهران عبر قنوات عدة، منها استخدام مساعد الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان قبعة الأمم المتحدة ليزور إيران مرتين مستخدماً فيها قبعته الثانية، الأميركية، ليعلن في 25 آب الماضي شكره للجانب الإيراني على تعاونه حيال الأزمة السورية، ثم ليقول لمحطة «سي إن إن» في 12 الجاري إنه «من الصعب علينا أن نتصور حلاً في سورية لا يكون لإيران دور فيه. والتحدث الى السوريين وحدهم لن يحل المشكلة. يجب أن نتحدث الى الآخرين، والإيرانيون مهمون في ذلك».
التطور في هذه الخطوة يكمن في قبول واشنطن التفاوض مع طهران على دورها الإقليمي، بعدما كانت في السابق تحصر التفاوض معها بملفها النووي، لأن دول الخليج كانت متوجسة من أن يأتي هذا المنحى مناقضاً لملفاتها العالقة هي الأخرى مع طهران. والأرجح أنه لم تكن صدفة دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الرئيس روحاني الى الحج، بموازاة الانفتاح الذي أظهره الأخير، وفتح قنوات التواصل بينه وبين الجانب الأميركي. وهي دعوة تفتح نافذة جديدة، تطل على قضايا الخليج واليمن وسورية ولبنان ودور إيران في كل منها.
وأن يقول المرشد الأعلى السيد علي خامنئي باعتماد «ليونة الأبطال» في التسوية مع الغرب في تغطية واضحة لتوجهات روحاني الذي أكد أمس أن لديه «السلطة الكاملة للتفاوض على النووي»، فهو يوحي بالرغبة في تسريع التفاوض.
فضلاً عن أن هذا المنحى يضع أوراق طهران كلها، بما فيها ورقة «حزب الله» على طاولة البحث، فإن «التمهّل» الروسي بتنفيذ الاتفاق على الكيماوي السوري يعطي فرصة لطهران كي تطلق المسار الجديد الذي قررته، لأن على مدى تقدمه يتوقف «اليوم التالي» في سورية.