لدى الأردنيين من السلوكيات الموحدة التي تعكس الاسرة الواحدة ما لم يتوفر عند غيرهم من الشعوب العربية وحتى وان توفر فإن الظاهرة الاردنية وخاصة في العزاء أوسع وأعمق واكثر أصالة ودلالة ومعاني..
وفاة الشاب عامر طراد الفايز (بني صخر) جاءت أمس الأول نموذجاً على ذلك فقد وجدت الأردنيين على اختلاف أصولهم ومنابتهم وأعراقهم وأديانهم من أغنيائهم إلى فقرائهم وقد تقاطروا جماعات ووحدانا من كل حدب وصوب إلى بيت العزاء في ديوان “مثقال الفايز” الذي كان استقبلهم مرة أخرى في حشد هائل كان مثله قد تكرر من قبل في رحيل طلال الفايز ومن قبل أيضاً في رحيل عميد الفايز “عاكف الفايز” أبو فيصل عليه الرحمة..
المتوفى أمس الأول هو عامر طراد الفايز الشاب الذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره استمعت الى أترابه ورفاقه من أبناء جيله ممن جاءوا للعزاء وهم يتحدثون عن صفاته كرمه ونخوته وأصالة مواقفه ورضى والدية عليه وحبهم له وملازمته لهم، لقد كان عامر الابن البكر لوالده طراد الفايز الذي شغل مناصب هامة في الدولة الأردنية وقد زاملنا في الاعلام كما كان علماً من أعلام الأردن وطراد الفايز وهو الأخ الأصغر للراحل عاكف ابن الراحل الكبير مثقال الفايز أحد رجالات الأردن المعروفين ..وعامر له من اسمه نصيب فقد ظل دائماً حريصاً على أن يذكر اسمه بالخير والعطاء والمودة مع القربى وغيرهم ومع أهل بيته وحتى أسرته الصغيرة زوجته وطفله..كان طالباً في الجامعة الأردنية وقد تخرج عام (2000) وقد وصفه أستاذه الدكتور سعد أبو ديه أستاذ التاريخ والسياسة بأنه من أكثر الطلاب نباهة وأكثرهم ادراكاً لما حوله وقد اختار أن يدرس الحقوق مضيفاً بأن ما يميزه أيضاً تهذيبه وحضوره العلمي الدائم واتساع أفقه وتفكيره وعنايته بالقضايا العامة
كان الراحل قد تأثر كثيراً بوالده وأخذ عنه حلمه وهدوءه وصبره ونخوته وقد انعكست علاقته الطيبة بمن عرفوه في قائمة التعازي الطويلة التي حملتها مواقع التواصل الاجتماعي حيث ادلى اساتذته وزملاؤه ورفاقه ومن عرفوه بشهاداتهم التي تطابقت في الثناء على سيرته العطرة..
فقد الفايز لابنهم عامر كان مراً فقد خطفه الموت بشكل مفاجيء اثر نوبة قلبية حادة لم تمكنه من الوصول الى المستشفى
يترك عامر برحيله ألماً عميقاً في صدر والده ووالدته..وحريق الفقدان الذي لا ينطفيء كما يذكر اسمه في ما خلّف ولدى زوجته التي فجعت برحيله وهي ما زالت في بداية مشوار الحياة الجامعة معه اذ لم يمض على زواجه الا ما يزيد عن عام..
كان أحد أصدقائه أمس وعلى مدخل بيت العزاء في أم العمد يبكي بشكل ملفت وقد سألت عنه فقيل هذا صديقه من أيام الجامعة وحين لامه من يقف جواره على عمق بكائه وصدور صوته في البكاء قال “لو كنت صديقه وعرفته مثلي لبكيته بأكثر مما أبكيه”
من عرف عامر طراد بكاه فمثله يبكى عليه لطيب خلقه ونبل صفاته..
حين عانقت والده طراد..أحسست أن هذا الرجل الذي لم يهدمه الزمن ولم تغيره الحوادث والوقائع قد تقوض وقد بلغ فيه الألم مبلغه فقد اختطف الموت منه أغلى ما يملك فلذة كبده..وهو بحاجة الى المزيد من الصبر والتجلد والمواساة ولعل ذلك ما يوفره الان له هذه الاعداد المتقاطرة من المعارف والأقارب والأصدقاء الذين بلغوا الالاف على مدار الايام الثلاثة الماضية والذين خففوا عنه الالم وبثوا في نفسه الصبر واستمطروا لوفاة ابنه الرحمة وله الصبر والسلوان ولأمه القدرة على العيش مع هذه الجرح العميق..
لأبي عامر كل التعازي فقد ظل الأردنيون دائماً أسرة واحدة وقد رأيتهم في مقطع هام في صورة واحدة في بيت عزاء الفايز..أسرة واحدة هي نموذج لوحدتنا الوطنية التي لسنا بحاجة الى اعادة تعريفها بالتنظير هذا هو الأردن وهذه هي أخلاقه وصفاته وسلوكياته وها هم الأردنيون اشداء على أعدائهم رحماء فيما بينهم ولعل عزاء الفايز وما شهدته فيه أمس الأول نموذجاً على ما أقول..