الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة هذا قول عربي قديم يصلح في الاوقات الصعبة على مستوى الفرد والاسرة والمجتمع، وبنوع من التوسع في هذا القول فان اعتماد ترشيد النفقات الجارية من شأنه ان يعظم الادخار ويتيح مجالات اكبر لاقامة المزيد من الاستثمارات، ويعود بالمنفعة على المجتمع والاقتصاد والدولة، لذلك نجدهم في الدول الصناعية ينفقون على الطعام والشراب والسلع والخدمات وفق الحاجة، وربط ما ينفق بالمنفعة المتوخاة، وهذا السلوك لايرتبط فقط بالقدرة المالية، وانما بالقيمة المضافة لما يستهلك او يستخدم في كافة مناحي الحياة.
هذه المقدمة كانت ضرورية ونحن نناقش تعديلات جوهرية على قانون الضمان الاجتماعي، بخاصة التقاعد المبكر، وربط الراتب التقاعدي بالتضخم السنوي في الاقتصاد، وقبل الخوض في بعض التعديلات من حيث الضرورة، والحاجة والعدالة، لابد من الالتفات لما يجري لصناديق التقاعد العملاقة في اوروبا على سبيل المثال، فقد قامت حكومات اوروبية بأخذ قرارات مهمة لحماية المراكز المالية لهذه الصناديق، واجراء دراسات اكتوارية مهمة في ضوء التباطؤ التي نتجت عن الازمة المالية العالمية، وازمة الديون السيادية.
من اهم القرارات التي اتخذت زيادة عدد سنوات العمل للمؤمن له وان يحصل على الراتب التقاعدي بعد ان يبلغ سن 63 عاما مع توفر شروط اخرى متعارف عليها، اما التقاعد المبكر يكاد يكون غير متاح، وفي نفس الوقت تم تنفيذ معظم الدول الاوروبية سلسلة من برامج التقشف شملت تخفيض الرواتب، وتقليص الخدمات المقدمة لمواطنيها، والهدف محاولة بلوغ توازن يمكن البناء عليه والعودة بالاقتصاد للتعافي، وبرغم الاحتجاجات الشعبية، والقرارات والتحريض الشعبوي للاحزاب الاوروبية التي تعارض الحكومات الا ان عددا من الدول بدأت تلتقط الانفاس وتتحرك نحو التعافي وان كان طويل الاجل.
وبالعودة الى الواقع المالي والاقتصاد الاردني نجد تقاربا في محاور رئيسة، فالدين العام ( الداخلي والخارجي) بلغ مستويات قياسية، والبطالة تتجاوز 13% من قوى العمل بالاضافة الى نحو مليون وافد يعملون في معظم القطاعات الاقتصادية، والتضخم قد يصل الى 10% هذا العام، وهناك مخاوف حقيقية لاية ارتفاعات مفاجئة في اسعار النفط او الاغذية الاساسية قد تعقد الامور المالية والاقتصادية والاجتماعية الى مستويات قد تكون بالغة الصعوبة.
يبدو ان عامة المواطنين التقطت اشارة ما يسمى بـ « الربيع العربي» بالمقلوب، ونجح البعض في حشد مطالب العامة بزيادة الرواتب والمكاسب في وقت نحتاج فيه الى مزيد من الجهد والعطاء والانتاج، والاقتصاد في النفقات لنعبر مرحلة قاسية على السواد الاعظم من الاردنيين، وينطبق ذلك على مطالب تعديلات قانون الضمان الاجتماعي التي تريد التوسع في النفقات والرواتب وتحويل الاستثناء ( التقاعد المبكر) الى قاعدة، وربط الرواتب بالتضخم دون ضوابط عندها نكون بأيدينا قد ساهمنا في هدم افضل مؤسسة اقتصادية اجتماعية وركن من اركان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المملكة.