فالح الطويل/سوريا على طاولة المفاوضات

التطورات الدبلوماسية الأخيرة في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة حول سوريا تطورات ليست دراماتيكية فيما يتعلق بالصراع الدائر في الأخيرة- فسوريا مازالت معلقة من قدميها في الفضاء- بل في العلاقات بين الدولتين العظميين.
متابعة ما يجري في هذا المضمار تشير إلى أن الاقتراح الروسي بوضع سوريا سلاحها الكيمياوي تحت الإشراف الدولي، ليس سوى استئناف لاقتراح مشابه وضعه بوتين أمام أوباما، في لوس كابوس في المكسيك، حزيران/2012. كان الاقتراح مجرد فكرة، يومها، أراد الروس من طرحها إحباط اي مخطط غربي ممكن للتدخل ضد الأسد، بمساعدة المعارضة السورية سياسيا، وتزويدها بما يلزمها من سلاح.
فالروس لا يتركون الأوضاع الملتبسة للحظة الأخيرة، بل يتعاملون مع تطوراتها مسبقا، وكما يقدرونها، بما يمكنهم من السيطرة على اتجاهاتها الخطرة في الوقت المناسب. ولقد قيل أن روسيا أشارت، في المكسيك، إلى نجاح العالم مع القذافي سنة 2006 حين سلم سلاحه الكيمياوي لدول الأطلنطي؛ وأنه بالمستطاع تكرار نفس الحل مع سوريا.
أما اقتراحها، لسنة/2013 فليس أكثر من محاولة لتأجيل النظر في مشروع ضربة سوريا، والتفاوض والمساومة بشأنها، ريثما تصبح، في سياق الصراعات الأميركية الداخلية، مشروعا مرفوضا أو غير واقعي.
وقد صار من المعروف، في الولايات المتحدة، اليوم، أن روسيا تبني موقفها ذاك على قاعدة معارضة شعبية أميركية للحرب، بشكل عام؛ وعلى موقف مماثل من قبل اللوبي الصهيوني الذي يرى في نظام الأسد أكبر حليف، من الناحية العملية، لسياسات إسرائيل في المنطقة.
فقد بات واضحا أن السكوت الإسرائيلي على مشروع اوباما لم يكن تأييدا لهن بل لإطلاق يد المعارضة الأميركية الداخلية لإحباطه، وذلك على الرغم مما يوجهه بعض ساسة إسرائيل من نقد للوبي الصهيوني الأميركي لموقفه من المشروع.
وسيبقى الأمر على هذه الحال لعدة اشهر قادمة يتمكن نظام الأسد، خلالها، من التقاط انفاسه وإيقاع تدمير أكبر في سوريا بما يكفي لإخراجها من التاريخ والجغرافيا.
أما على الصعيد الداخلي، السوري والعربي، أيضا، فقد تركت كافة التطورات، سوريا معلقة من قدميها في الفضاء، تتعذب ويتعذب شعبها الذي يرى بلده يدمر تدميرا كاملا ويتراص أعداؤه صفوفا متماسكة لا يخشون شيئا ولا يحتاجون في حربهم الظالمة لسلاح كيمياوي، بل لتركهم وممارساتهم من غير تدخل خارجي يردعهم أو يلقي روعا في نفوسهم. وهم يتراوحون في اصطفافاتهم الطائفية بين شيعة لبنان وسوريا والعراق وقوات إيرانية مسلحة ومدربة جيدا ومحمية بقوة سلاحها.
أما أصدقاء سوريا وشعبها الحقيقيون فليس لهم سوى إعلاء الصوت بأنهم لن يتدخلوا في النزاع، وأن جل ما يتمنون هو أن يجدوا حلا سياسيا له؛ وتوفير كل الفرص اللازمة لكي يجد العالم، في جنيف2، الذي يأملون في انعقاده، سريعا، طريقا للخروج الآمن من المأساة.
وهم مضطرون لذلك الموقف، مع علمهم، أن جنيف2 ليس أكثر من أداة للمماطلة، أو مرحلة من مراحل تفاوض ممتد، تمكن الروس وأصدقاء الأسد من القبض على ناصية الأمور يوجهونها بعيدا عن الطريق العام، بل وعند الحاجة، إدخالها في طرق جانبية مسدودة تستغرق مجرد إعادتها للطريق العام كل الوقت اللازم لأعداء سوريا للقضاء عليها قضاء مبرما.

Related posts

اللي استحوا ماتوا* فارعة السقاف

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني