أحد أهم أسباب فشل تجربة حكم الإسلاميين لمصر وأزمة «الإخوان» الحالية بعد عزل الدكتور محمد مرسي وإبعاده عن مقعد الرئاسة هو ذلك الالتباس في الخطاب السياسي والتناقض ما بين النظرية والتطبيق والقول والفعل، ما أوقع ذلك التيار كله في أخطاء فادحة لم يكن يدركها أو يشعر بها. بل المدهش أنه كان يتعجب من رصدها أو الاعتراض عليها. دعك من قصة «أخونة» الدولة مقابل حديث مرسي أنه رئيس لكل المصريين، أو تحالف «الإخوان» مع الإسلاميين الراديكاليين في سيناء رغم تكرارهم رفض العنف واعتراضهم على الإرهاب. ودعك من حصارهم لمعارضيهم وإقصائهم للقوى الأخرى ومحاربتهم كل مؤسسة في الدولة تواجه تعجلهم بسط نفوذ الجماعة وحلفائها على النسيج الاجتماعي لمصر وجلسات الحوار الوطني التي كان يدعو لها مرسي ويتحاور فيها مع حلفائه باعتبارهم يمثلون المعارضة، إذ يكفي البحث في مسألة «المشروع الإسلامي» الذي يلجأ الإسلاميون، بمن فيهم «الإخوان»، للحديث عنه كلما وجدوا معارضاً أو ناقداً أو مهاجماً لأسلوبهم في الحكم، بينما يغيب ذكره في مواقف أخرى يؤكدون فيها أنهم مدنيون ويرفضون فيها الدولة الثيوقراطية.
المقصود بالطبع مشروع إسلامي للحكم وليس الإسلام كدين يؤمن به ملايين من غير «الإخوان» أو المنتمين لأي تيار إسلامي آخر. فالواقع أن بنود ذلك المشروع سواء لدى الأحزاب الإسلامية التي تأسست بعد ثورة 25 يناير أو عند الجماعة ظلت حتى الآن غير واضحة ويتم الحديث عنها عادة في المطلق، وفقاً للموقف الذي يعتقد الإسلاميون أن عبارة «المشروع الإسلامي» كافية لإسكات الآخرين خشية اتهامهم بالكفر.
الأمر إذاً يتعلق بالمعاملات وليس العبادات المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وحتى في المعاملات لاحظ كثيرون أن أسلوب «الإخوان» في الحكم لم يكن يتوافق مع السلوك الإسلامي أصلاً. المدهش بل المذهل أن ذلك المشروع لم يظهر طوال سنة من حكم «الإخوان» رغم كثرة الحديث عنه والترويج له، كما أن مرسي وحزبه وجماعته لم يتحدثوا قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها عن المشروع لكن عندما وقعوا في أخطاء ضد الدولة والمجتمع وخرجوا من السلطة بدأوا يتهمون معارضيهم بأنهم ضد «المشروع الإسلامي»۔ وطوال سنة من حكم مرسي ظهر أن «المشروع الإسلامي» هو «المشروع الإخواني». وباستثناء المادة 219 من الدستور الذي وضع بواسطة الهيئة التأسيسية التي هيمن الإسلاميون عليها فإن مظاهر أسلمة المجتمع ظلت سلوكاً فردياً أحياناً وعشوائياً غالباً من جانب بعض السلفيين خصوصاً في المدن والقرى البعيدة من العاصمة، ومثلت دائماً سلوكاً خارج إطار القانون كقتل شاب لمجرد أنه كان يجلس مع خطيبته، وتطبيق حد الحرابة على بعض اللصوص أو الخارجين على القانون في بعض الأحياء العشوائية أو القرى النائية، أو جلسات التهديد والوعيد عبر الفضائيات الإسلامية والهجوم من دعاة من «الإخوان» أو مناصريهم على المعارضين تحت ستار الدين، أو الاعتراض على الأفلام والمسلسلات وتكفير الممثلين والمطربين!
رسمياً وطول فترة حكم «الإخوان» لم نرصد مشروعاً إسلامياً محدداً، ولم يظهر أن مرسي وحكومته ومجلس شورته ومكتب إرشاده اتخذوا إجراءات أو حتى مهدوا لإلغاء فوائد البنوك أو أغلقوا الملاهي الليلية أو ألزموا النساء الحجاب أو النقاب أو حولوا نظام الدولة من الحكم الجمهوري إلى دولة المرشد والهيئات التي تدور في فلكه. «المشروع الإسلامي» ظل هدفاً من دون بنود أو مواد في قانون أو دستور فظهر التناقض ما بين المعلن والمخفي، وبين الخطب والأحاديث والكلمات وبين السلوك. لسنا في مجال الحديث عن قرارات أو سياسيات مورست أغضبت المدنيين ورضى عنها الإسلاميون كرسالة مرسي إلى شمعون بيرز مثلاً، ولا نعتقد أن «المشروع الإسلامي» هو نفسه مشروع النهضة الذي تحدث عنه «الإخوان» قبل حملة الانتخابات الرئاسية وذكر مرسي أنه كطائر لا يبيض، ولكن سيظل البحث قائماً عن بنود ذلك المشروع وما إذا كان يتخطى مسألة أهداف التنظيم الدولي في العالم أو هو يعني أن الحكم لـ «الإخوان» أو الإسلاميين وكفى، أم يتيح للحاكم الإسلامي وأهله وعشيرته ارتكاب أي أخطاء دون أن يحاسبه أحد؟
صحيح أن معضلة مرسي أنه حكم مصر وكأنه يدير جماعة «الإخوان»، وتعامل مع المصريين باعتبارهم «إخوانه» في الجماعة له عليهم السمع والطاعة من دون نقاش أو اعتراض، لكن ارتفاع وتيرة اتهام مؤيدي عزله بأنهم ضد المشروع الإسلامي يشير إلى أن القضية أكثر تعقيداً لدى «الإخوان» ومناصريهم الذين لا يشعرون بالهوة الواسعة بينهم وبين باقي جموع الشعب المصري، أو بين تعهدات مرسي قبل الحكم وبين ممارساته، أو بين الحديث عن سلمية التظاهرات ومشاهد القتل، أو بين رفع صور زميلنا الراحل الحسيني أبو ضيف في تظاهرات «الإخوان» الأخيرة وبين إحالة مرسي وعدد من إخوانه على المحاكمة الجنائية بتهمة قتل الحسيني أبو ضيف!