لم ولن يدمر باراك أوباما مخازن السلاح الكيميائي السوري، لكنه نجح في تدمير بروتوكول جنيف الموقع عام 1925 والذي يمنع استعمال هذا السلاح عندما ابتلع كل تهديداته بتوجيه ضربة الى النظام السوري، ولحس ترهاته عن “الخط الاحمر” الذي ثبت فعلاً انه مكتوب بالحبر المخفي كما يقول جون ماكين!
لقد استمعت الى جون كيري متنقلاً بين الشاشات محاولاً التخفيف من الخيبة العارمة، التي أثارها أوباما بقراره تأجيل الضربة التي كان قد اوحى بأنها حاصلة بين لحظة واخرى، والذهاب الى الكونغرس، الذي ربما كان عليه ان يتذكره قبل حشد الاساطيل وتحديد الاهداف الـ90 التي كانت ستضربها الصواريخ، لكن كيري فشل في استعادة الحد الادنى من الصدقية، ذلك ان قرار أوباما توجيه الضربة سيضيع في ادغال الكونغرس، حيث تتداخل الحسابات السياسية مع الرهانات الانتخابية في بلد منهك من الحروب، ومع رئيس دخل الى البيت الابيض رافعاً شعار التغيير والانسحاب من الحروب!
ليس عذراً القول ان فشل ديفيد كاميرون في الحصول على تأييد مجلس العموم لمشاركة بريطانيا في توجيه الضربة الى الاسد، ادى الى عرقلة أوباما ودفعه للذهاب الى الكونغرس، فاذا كانت الصحف الاميركية تقول ان فشل كاميرون اوقع بأوباما، فها هي الصحف الفرنسية تقول ان أوباما اوقع بدوره بفرنسوا هولاند المتحمس لتوجيه الضربة من دون الذهاب الى استشارة ممثلي الامة، فليس كثيراً ان تقول صحيفة “لاكروا” ان الفخ قد اطبق على هؤلاء المسؤولين الذين هبّوا سريعاً الى اعلان رغبتهم في معاقبة النظام السوري على رغم ان مجتمعاتهم لا تملك حماسة حيال الحروب!
تبدأ معركة أوباما السياسية المعقدة داخل ادغال الكونغرس في 9 ايلول، وسيخوض معركة ديبلوماسية يومي الخميس والجمعة مع فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين، آملاً في الحصول على مساعدة تحفظ ماء وجهه عبر قرار روسي باستجلاب الاسد الى جنيف وترتيب عملية انتقال سياسي تلغي كل حاجة الى العمل العسكري، لكن هذا الامر يبدو صعباً جداً.
واذا كان هناك في “البنتاغون” من يشكك في جدوى الضربة، واذا كان الرأي العام الاميركي يعارضها بنسبة 46% في مقابل 24%، واذا كان أوباما قد وضع يده على الزناد حابساً انفاس العالم ثم فاجأ حتى ادارته بالذهاب الى استشارات غير مضمونة في الكونغرس متجاوزاً حقه الدستوري في توجيه الضربة، فهل هناك شك في ان الضربة لن تقع؟
قبل عشرة ايام قال أوباما ان الاسد تجاوز كل حدود الجريمة باستخدام الكيميائي، لكنه يتجاوز كل حدود الانكفاء، حتى دمشق تتهمه الآن بالضعف والتردد والسوريون يقولون انه جبان… لكنني أقول: رحم الله القتلى في زمن باراك “أوماما”!