ما زالت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون غير واثقين من قدرة المعارضة السورية المسلحة على تولي السلطة في سورية. لا بنيتها السياسية تسمح بذلك. ولا «جيشها الحر» قادر على الإمساك بالأرض، أو توحيد صفوفه وتشكيل هيئة أركان تخطط وتأمر بالتنفيذ وتشرف عليه، فضلاً عن أنه يصطدم بحلفائه من التنظيمات الإسلامية مثل «جبهة النصرة» و»القاعدة» وعشرات التنظيمات الأخرى، وبأمراء الحرب وزعران الأحياء والمتنفذين في القرى والمدن. وقبل كل ذلك يفتقد هذا «الجيش» إلى عقيدة وطنية، لم يتح له المجال لبلورتها، وهو ليس في وارد ذلك الآن نظراً إلى اعتماده على الدعم الخارجي من جهات عدة. جهات هدفها واحد هو إسقاط النظام، لكن مصالحها الإقتصادية والسياسية متضاربة، ففيما تدعم تركيا «جبهة النصرة» و»القاعدة» وتتمسك بـ»الإخوان المسلمين» بديلاً للنظام القائم، تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرون إبعاد الجبهة والتنظيم، لا بل تسعى إلى ضربهما وقد وضعتهما على لائحة الإرهاب.
إن الوضع في سورية، بعد أكثر من سنتين من الحروب المتواصلة وأكثر من مئة ألف قتيل وملايين اللاجئين والنازحين، لم ينضج بعد، بالنسبة إلى المتحالفين ضد النظام، لذا يترددون في اتخاذ قرار قاطع بتغييره بالقوة. وقد أطلق معظم قادتهم، من أوباما إلى أصغر حليف، مروراً بكاميرون وهولاند، دعوات إلى المحافظة على بنية النظام ووحدة الجيش، واقتصار الضربة على مواقع الأسلحة الكيماوية ووسائل التحكم والقيادة. وذهب بعضهم إلى القول إن هدف الضربة إيجاد نوع من التوازن بين النظام والمسلحين، بعدما حقق الجيش تقدماً في معظم الجبهات، كي يأتي الأسد إلى جنيف2 ضعيفاً ويتنازل عن السلطة لحكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة تعيد بناء سورية وتنقلها من ضفة سياسية إلى اخرى.
عبر أوباما وكاميرون عن ذلك في الأيام الثلاثة الماضية. وصاغها هولاند خلال لقائه رئيس الإئتلاف أحمد الجربا على الشكل التالي: «يجب بذل كل شيء من اجل حل سياسي لكن ذلك لن يتحقق الا اذا كان الائتلاف (المعارض) قادرا على أن يكون بديلاً. واذا كانت الاسرة الدولية قادرة على وضع حد لتصاعد العنف الذي لم تكن المجزرة الكيمياوية سوى مظهر من مظاهره».
هذا التبسيط لا يحسب اي حساب لرد الفعل على الضربة «الجراحية» المقترحة. ويصور الأمر مجرد نزهة، أو حملة أمنية لمعاقبة الأسد الذي يقتل شعبه بكل وسيلة ممكنة. وهو التبسيط ذاته الذي رافق كل الحروب والحملات الغربية السابقة على المنطقة، حتى في ايام الحروب الصليبية إذا شئنا العودة إلى التاريخ، أو إلى الحرب على العراق التي صورت كأنها نزهة في بساتين ديالى، أو رحلة سياحية في بابل، وإذ بها تغرق في وحولها أقوى جيش في العالم لأكثر من عشر سنوات، وتكلف واشنطن مئات البلايين من الدولارات، وآلاف القتلى.
من الآن إلى أن يحقق «الجيش الحر» التوازن على الأرض، وإلى أن يصبح «الإئتلاف» قادراً على قيادة المرحلة الإنتقالية سنشهد، للأسف، المزيد من الدمار والدماء والمزيد من النقاش الديموقراطي والقرارات الخطأ في الغرب.
الديموقراطية في الغرب تحيي شعوبه وتقتلنا.