فالح الطويل/أي سوريا المهددة اليوم؟

لأول مرة في تاريخنا الحديث لما يزيد على نصف قرن، حتى اللحظة، لا يغضب الناس حينما يسمعون عن خطط غربية في الهجوم على بلد عربي، سوريا، هذه المرة. يتصرفون، غالبهم الذين يعرفون، كما لو كانت حكومة سوريا هذه حكومة غير عربية، أو أنها تشكيل عدو يحصن نفسه، وراء خطوطنا، بأسماء وشعارات جرت مجرى اللغو في الكلام مثل « قلب العروبة النابض» إلخ…إلخ!!
سوريا هذه التي تتلقى التهديدات، تهدد، من جانبها، بالرد بألف صاروخ تطلق على مئات الأهداف حولها. ونتساءل أية أهداف؟ وأين؟
يعلم الجميع أن صواريخها الآلاف لن تطلق على قواعد المهاجمين من البحر بقصد إسكاتها، فهي أضعف من أن تفعل ذلك؛ بل يخشى العرب المراقبون للأحداث، من شرفاتهم العالية، على الأطراف، في الأردن وفي لبنان، بشكل خاص، ولهم حق أن يخشوا، في أن يكونوا هم هدف التهديد. لقد علمتهم سلسلة الأحداث المتوالية، حولهم، أنه تهديد ذو مصداقية كبيرة.
لقد رأوا بأم أعينهم أن جيش سوريا الذي يُفترض فيه أن يكون جيشا سوريا عربيا، يوجه اسلحته الفتاكة لتدمير القرى والمدن والإنجازات السورية، فيقتل، دون أن يرف لقادته جفن، ما يزيد على 140000 سوري بمن فيهم أطفال الغوطة، ويحول أكثر من ستة ملايين سوري إلى نازح في أرضه يتحرك بين ركام ما كان مصدر كبريائه ذات يوم؛ وإلى لاجئ يعيش في الخيام في كل دول العالم.
وهي مهمات كانت، منذ البداية، مهمات غير عربية وغير سورية. نتذكر أنه ساهم بتدمير العراق تحت العلم الأمريكي، مرة، وتحت علم إيران، أخرى. كما فعل الشيء ذاته في حماة حين قتل أربعين ألف سوري؛ رافعا، دائما، ذات الشعار الذي يرفعه اليوم» نظام ممانعة… إلخ.» لقد {اينا ذلك النظام يلغ، طوال السنين، بدم الأطفال السوريين تملأ أشداقة ردح منه تتقطع مع لهاثه وتسيل مع رياله المتدفق، كما تفعل الوحوش الكاسرة في وكورها السوداء.
الذي فعل ذلك ليس سوريا، بالتأكيد، بل ليس عربيا، ولا نبكيه إن مات أو اختفى أو ضرب؛ فهو عدو أشد شراسة من إسرائيل نفسها؛ وأعنف من الشيطان نفسه، وأعمق حقدا وأنفذ خططا.
لنستمع إليه يطلق التهديدات الملتبسة من دمشق؛ ونعلم أنه ليس عدو المحتشدين في البحر قبالته، بل هو، في عاصمة الأمويين، يكمل مهماتهم. كما نستمع لهم يتحدثون. هم لا يفكرون بإسقاطه، بل بضرب بعض مواقع صواريخه التي قد لا يحتاج لها في إكمال مهمته.
الذين لم يعودوا يغضبون يعلمون أن الجيش الذي دمر سوريا ومدنها وقراها وإنجازاتها وأملها في استعادة وزنها في أي مستقبل قريب، ليس جيش سوريا بل هو آلة صنعت خصيصا للحرب على سوريا وتاريخها؛ ويعلمون أيضا أن ما يجري من تهديد وتهديد مضاد ليس أكثر من مسرحية هزلية يتسلى بها المراقبون بعض الوقت ريثما يعودون إلى حيث كانوا.
لذلك لا يغضب أحد، وربما لا يحق لأحد أن يغضب. وهم مجبرون، في كل الأحوال، على انتظار النهاية ريثما تسدل الستارة التي قد لا تسدل لفترة طويلة قادمة.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات