خالد عبد الرحيم السيد/ضياع سوريا بين الخطوط الحمراء

منذ انطلاق ثورة الربيع العربي في سوريا عام 2011، والنظام السوري يتفنن في ارتكاب المجازر الواحدة تلو الأخرى، والشعب السوري يُقتل ويعذب أمام أنظار العالم أجمع، والمجتمع الدولي صامت لا يحرك ساكنا، إلا أن ما حدث في الأسبوع الماضي من مجزرة في الغوطة استخدم فيها النظام السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه، كان هجمة بشعة وجريمة حرب لا تغتفر أوقعت آلاف الضحايا العزل من النساء والأطفال، فصور الضحايا من أطفال الغوطة تناقلتها جميع وسائل الإعلام وكانت حقا مأساة مبكية تعكس بشاعة النظام السوري الدموي، وأضحت دليلا صريحا على أن النظام السوري لديه مخزون لا يستهان به من هذه المواد الكيماوية، هذا بجانب اعتراف المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي في العام الماضي، ولأول مرة، بامتلاك سوريا للأسلحة الكيميائية والبيولوجية، والتهديد باستخدامها في حال تعرض البلاد لأي هجوم خارجي، رغم نفيه لذلك الحديث لاحقا.

هناك مسؤولية سياسية وأخلاقية للمجتمع الدولي تتوجب مواجهة ما يقوم به النظام الدموي من انتهاكات صارخة ضد الشعب السوري، خاصة ضد النساء والأطفال، لاسيَّما وأن تلك المجزرة قد ترافقت مع بدء زيارة وفد لجنة الأمم المتحدة المكلفة بالتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية إلى سوريا، ما يعني تحديا سافرا للمجتمع الدولي واستخفافا بمنظومة الدول الكبرى، عدا روسيا والصين بطبيعة الحال.

ماذا ينتظر المجتمع الدولي بعد أن أكد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن السلاح الكيماوي استعمل بالفعل في سوريا من قبل النظام وأن النظام السوري يسعى لطمس الأدلة؟ وبعد تأكيد البيت الأبيض أنه لا سبيل لإنكار استخدام أسلحة كيماوية في سوريا (مما يستوجب الرد)؟ وماذا بعد أن قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إن فرنسا “مستعدة لمعاقبة الذين اتخذوا القرار الدنيء باستخدام الغاز ضد الأبرياء”؟ ثم ماذا ينتظر العرب بعد أن حمّلت جامعة الدول العربية بشار الأسد مسؤولية الهجوم الكيماوي؟

فالثابت أن نظام الأسد باستخدامه للأسلحة الكيميائية قد تجاوز “الخط الأحمر” الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل عام، ولكن يبدو أن سوريا قد تكاثرت عليها الخطوط الحمراء، فبعد الحديث عن تحرك عسكري تقوده الولايات المتحدة ضد النظام السوري، حذرت إيران واشنطن من تجاوز “الخط الأحمر” بشأن سوريا، حيث هددت بأن أي تجاوز للجبهة السورية ستكون له عواقب وخيمة على البيت الأبيض.

ورغم أنه لم تتبين بعد ملامح هذه الضربة العسكرية المحتملة ضد أهداف عسكرية في سوريا، فإنها على أي حال لن تكون ضربة موجعة، ولعل الدليل على ذلك حديث لافروف منذ يومين بأن روسيا “لن تخوض حربا مع أحد حال التدخل العسكري في سوريا”، فالمرجح إذن أن الضربة المحتملة ستكون – حسب “الإندبندنت” البريطانية – بمثابة عقاب لتجاوز النظام السوري “الخط الأحمر” واستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة.

لذا فهي قطعا لا تهدف إلى الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد أو إحداث أي تغيير في معادلة النزاع السوري، مما يجعلنا نرى بوضوح التردد والتباين الواضحين في موقف إدارة الرئيس أوباما حيال ما يحدث في سوريا التي لا تمتلك نفط العراق أو ليبيا حتى تجعلها تتحرك لحماية آبار النفط، ويجعلنا نتوجس من احتمال وجود اتفاق أمريكي – روسي على إطلاق عشرات الصواريخ لضرب بعض الأهداف السورية من أجل تجميل صورة أمريكا في عيون العالم وإسكات الأصوات المنددة بصمت الولايات المتحدة إزاء الأزمة السورية وحفظ ماء وجه الإدارة الأمريكية، فأمريكا تريد فقط توجيه ضربة لوم وعتاب على يد النظام السوري، لا ضربة موجعة، لأنها لا تود إسدال الستار على فصول المسرحية التراجيدية التي تدور أحداثها على خشبة المسرح السوري، حيث الجميع يشاهد ويشارك في قتل أطفال سوريا.. بدءًا بأمريكا بترددها الواضح، مرورا بروسيا والصين وإيران بدعمهم الفادح، وصولا إلى الدول العربية بتخاذلها وضعفها الفاضح.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري