د.رحيل غرايبة/بين طرفين… ومقتلتين

يجب أن يسارع الاسلاميون الى الإفاقة من هول الصدمة، ويجب أن يسابقوا الاخرين في عملية النظر والقويم، وقراءة المشهد والوقوف العاقل الحكيم الذي يمتاز بالجرأة والشجاعة الممزوجة بالهدوء والاتزان، البعيد عن الانفعال والنزق، والافراط في الحساسية من النقد وبيان الأخطاء في المسيرة القصيرة السابقة المليئة بالأحداث والمفاجآت الحزينة والصادمة.
يجب أن تنصب الجهود على معرفة الحقائق ويجب اختصار الوقت في وقف الجدال الذي لا يفضي الى تصحيح المسارات وإصلاح الأخطاء، ويزيد في إثارة السحب وزيادة كتل الضباب التي تحجب الرؤية وتمنع الإفاقة.
أول ما نستمع في هذا السياق الى قول الله عز وجل الذي خاطب المسلمين على إثر معركة أحد التي حدث فيها ما حدث عندما قال لهم: «أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (آل عمران: 165).
ومن هنا إذا كنا نعلم أن ما حدث يشكل كارثة كبيرة ليس على الحركة الاسلامية وحدها، وإنما على الشعب المصري كله، وعلى الدولة والوطن والمجتمع بكل مكوناته، من حيث إثارة الانقسام الداخلي، وتفجر الفتنة المقيتة بين مكونات المجتمع والدولة، وما يتخلل ذلك من ظلم وتعسف وقتل ودماء واهدار لكرامة الانسان عبر الاعتقالات الحركية، واطلاق الاتهامات بالجملة، وتعطل لغة العقل وغياب الحكمة، وسيادة منطق التحريض وانتشار خطاب الكراهية، والمظهر الأكثر خطورة هو محاولة وأد التجربة الديمقراطية ووالتعددية والتراجع عن حق الشعب في الاختيار الحر النزيه عبر صناديق الاقتراع، وعبر الاستفتاءات الشعبية على الدستور من خلال إيجاد المجالس التشريعية المنتخبة، والرجوع القهري الى لغة الاحتجاجات والاعتصامات من جهة ولغة القمع واستخدام القوة والعنف من الجهة الأخرى.
وهنا ينبغي إعادة التذكير بجملة من المسائل التي تشكل مداخل للحوار القادم، ومحاولة للخروج من المأزق:
– أولها: ضرورة الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، يتم من خلاله الاتفاق على شكل الدولة، والتوافق على قواعد اللعبة السياسية، والاتفاق على المرجعية الوطنية العليا التي تخضع لها كل الأطراف بلا استثناء.
– ثانيها: التوافق على العبور المجتمعي لهذه المرحلة، من خلال إطار وطني عريض يتسع لكل مواطني الدولة دون إقصاء أي طرف، ودون استبعاد لأي فكر مهما كانت درجة الاختلاف.
– ثالثها: ينبغي على الاسلاميين أن يحرصوا على فهم الحريّة والكرامة والعدالة، والمساواة أمام القانون، دون إصرار على إظهار الهوية الإسلامية، وينبغي البعد عن الخطاب الأيدولوجي العقائدي في لغة الحوار من كل الأطراف.
– رابعها: على الحركات الاسلامية أن تعيد قراءة المشهد بعين بصيرة ناقدة، تقف من خلالها على جملة من الحقائق الواضحة المتعلقة بالدولة العميقة، ومكانة الجيش ودور الأجهزة الأمنية، والبنك المركزي، ومواقع النخب الاقتصادية، والإعلام والاختراقات الخارجية بكل أشكالها وألوانها، مما يقتضي التعامل معها بواقعية دون استخفاف أو تجاهل.
– خامسها: على الاسلاميين أن يعيدوا صياغة خطابهم السياسي بطريقة مدروسة، بحيث تكون الغاية جمع الأمة على مشروع نهضوي شامل وتحرير إرادة الشعوب، وليس الامساك بالسلطة أو استلام قمة هرم الدولة، مع أن ذلك من حقهم المشروع الذي لا جدال فيه، ولكن هناك فرق كبير بين مشروع حزب يريد الوصول الى السلطة، ومشروع نهضوي وحركة مجتمعية تهدف الى اعادة بناء الانسان، وإعادة بناء المجتمع، وإعادة بناء الدولة.
– سادساً: على الاسلاميين أن يبتعدوا عن شعار تطبيق الشريعة الاسلامية وفرض النظام الاسلامي، والاكتفاء بشعار احترام خيار الشعوب، واحترام إرادة الأمة، والرضا باختيارها الحر النزيه.
– سابعاً: ارسال خطاب تطمين الى كل مكونات الدولة والى كل طوائف المتجمع وخاصة الأقليات، بأنها حزء أصيل من المجتمع الكبير الذي يحترم الأديان، والمذاهب، على سبيل الأمر والالزام، وعلى سبيل التكتيك والمناورة.
– ثامناً: التصريح بكل ثقة بضرورة الحفاظ على حريات الناس الشخصية في مأكلهم ومشربهم، ولباسهم، وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم، وأن الاسلام يأمر بضرورة الالتزام بالخطاب الدعوي اللطيف، البعيد كل البعد عن الإكراه أو القهر أو الالزام، ولا يجوز استخدام السلطة في شيء من ذلك على الاطلاق.
– تاسعاً: يجب أن ينتصر الإسلاميون في معركة القيم وتمثلها أولاً، ويجب أن يعلموا أن الانتصار الحقيقي في ميدان النفس والفكر قبل أن يكون في ميدان عالم المادة وعالم السلطة وعالم الاستعراض والأضواء والاعلام.
– عاشرها: وهي الأكثر أهمية على الاسلاميين أن يخوضوا معركة تأهيل الذات، واعداد انفسهم ومن حولهم من أجل امتلاك الرؤية والبرامج والمعلومات والكفاءات والطاقات، وبناء العلاقات الوثيقة من كل الأطراف المؤثرة، وامتلاك أوراق القوة.
– حادي عشر: بناء تحالف وطني كبير يحمل الأفكار السابقة ويؤمن بها، وليس تحالفاً مؤقتاً هشاً ينفرط عقده عند أول مفترق طرق، وهذا يحتاج الى بناء مسبق ومشروع واضح

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات