طارق الهاشمي/عذرا أحبابي أطفال سوريا …عذرا للغوطة الشرقية

… عذرا لكل طفل فيكم خطفته يد المنون… انطفأت شمعته بعد أن كانت الذخر والأمل والرجاء في إضاءة يوم جديد….

لقد عجلت إليك يد المنايا

وما استوفيت حظك من صباكا

لا تنتظروا دموعي أو رثائي.. لن أمزق ثيابي أو ألطم خدودي.. فقد تحجرت المآقي وجفت الدموع.. ولا يسعني بعد الآن إلا أن أرفع رايتي البيضاء مستسلما وأعلن عن عجزي وتقاعسي، لن أداري بعد اليوم خجلي، لن أتكتم على فشلي بعد أن فقدت منذ قرون إنسانيتي ومروءتي وشهامتي، بل وشجاعتي بعد أن تخليت عنكم، رغم قدرتي وإمكاناتي، لأترككم وحدكم تواجهون وحوش الدنيا وكواسرها، تقارعون بأجسادكم الطرية ونفوسكم الزكية ظلمة جبارين وأعلم أن زادكم على الطريق إنما كان براءتكم ونعومتكم وطيبتكم، عذرا أحبتي.. نعم لقد توليت عند الزحف لأن هناك ما يشغلني عنكم، ألا تعلمون بأني شغوف بدنيا ملأت قلبي وشغلت نفسي وطغت على جوارحي وأنستني واجبي ومهمتي وتقاليدي وقيمي بل وموجبات ديني، هذا هو واقعي وهذه هي محنتي، أما هذه النكبة فإنما صنعتها أنا بيدي ونفسي.

بروحي من تذوب عليه روحي

وذق يا قلب ما صنعت يداكا

… لا أبكي بعد اليوم عليكم فأنتم لستم بحاجة إلى دمعتي ولا إلى حزني، لستم بحاجة لصراخي وعويلي، أنا والله القتيل وأنتم الشهداء، أنا والله من تبكي عليه الدنيا بعد أن التصقت بالطين وتهيبت صعود الجبال وفضلت أن أعيش بين الحفر، لا أبكي عليكم بعد أن تعلقت أرواحكم واستقرت في حواصل طير خضر تحوم حول العرش، هنيئا لكم مقامكم هذا، تكريما وتشريفا وقربا إلى الله، بل أنا والله أبكي على نفسي وعلى من حولي، على زمني الذي بات فيه باطن الأرض خير لنا من ظهرها.

أشارك إخوتي أبناء الشعب السوري المتطلع للحرية والخلاص مصابهم الجلل في مجزرة الغوطة الشرقية، أعزيهم ونفسي وأقتبس أبيات الشاعر بهاء الدين زهير في رثاء ولده تعبيرا عن ألمي وغصة في نفسي:

ومالي أدعي أني وفي******* ولست مشاركا لك في بلاكا

تــمــوت ولا أمـوت عـــلـيـك حـزنــا*******وحق هواك خنتك في هواكا

ويـا خــجــلـي إذا قــالــوا مـــحــبّ*******ولم أنفعك في خطب أتاكا

أرى البـاكـيـن فـيـك مـعـي كـثـيـرا*******وليس كمن بكى من قد تباكى

جــــزاك الله عـنّـي كـــل خــــيـــــر*******وأعلم أنّه عنّي جزاكا

فيـا قــبــر الـحــبـيــب وددت أنـــي******حملت ولو على عيني ثراكا

ســقـاك الغـيـث هـتـانـا وإلاّ ******فحسبك من دموعي ما سقاكا

ولا زال الســـــــلام عــلـيـك مـنـي******يرفّ مع النسيم على ذراكا

أرواح الشهداء الذين قضوا في الغوطة الشرقية أمس الأول ستبقى وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، بما عرف عنه من نفاق ولؤم ومعايير مزدوجة، هو من ينبغي أن يوجه إليه اللوم ويحمل كامل المسؤولية، أما دماء الشهداء فهي الأخرى ستبقى لعنة على من عطل الحل وأخر الخلاص، وأخذ بالرخصة وهو يعلم أنه مأمور بنصرة الحق والوقوف مع المظلوم ضد الظالم، رغم أن الأمر في سوريا الجريحة واضح بين. (… لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) الآية 3- 5 سورة الروم.

Related posts

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار