لم يخسر “الإخوان المسلمون” السلطة في مصر فقط بسبب أخطائهم ورعونتهم في فهم الكثير من متغيرات اللعبة السياسية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 .. وإنما أيضا بسبب وجود مشاكل هيكلية، سواء في التنظيم أو الأيديولوجيا أو الخطاب. وبغض النظر عما قد تؤول إليه المواجهة الحالية بين الإخوان والسلطة في مصر، فإن أية عودة للجماعة إلى الحياة السياسية لا بد أن تسبقها مراجعات شاملة لأفكارها واستراتيجيتها وخطابها. ويمكن
تلخيص أهم النقاط اللازمة في إجراء مثل هذه المراجعة فيما يلي:
أولا: التخلص من ربقة التحجر التنظيمي. ذلك أن إحدى المشاكل الأساسية لجماعة الإخوان تكمن في التنظيم الذي تحول طيلة الأعوام العشرة الماضية إلى هدف بحد ذاته يمكن التضحية بكل شيء من أجل الحفاظ عليه، بحيث أصبح مثل “البقرة المقدسة” التي لا يجوز الاقتراب منها. وتوجد الكثير من المشاكل داخل التنظيم، سواء ما يتعلق بطبيعة العلاقات البينية بين القيادة والقواعد أو معايير الشفافية والمكاشفة. وقد نجح الجناح المحافظ من إحكام سيطرته على التنظيم دون أية مشاركة حقيقية من الإصلاحيين، ما أدى إلى العديد من الكوارث التي تشهدها الجماعة طيلة الفترة الماضية.
ثانيا: الأيديولوجيا، حيث تعاني جماعة الإخوان من أيديولوجيا تقليدية محافظة لا تتناسب مطلقا مع الحالة الثورية التي كانت تمر بها البلاد طيلة الفترة الماضية. وهذه الأيديولوجيا يتداخل فيها الديني مع السياسي بشكل كبير، بحيث لا يمكن التفرقة بين الجماعة وحزب “الحرية والعدالة” أو بين المقدس والمدنس. فالجماعة لا تزال أسيرة الفكرة الشمولية التي تأخذ السياسة بمعايير الدين دون القدرة على تحديد ما هو دنيوي وما هو أخروي.
بكلمات أخرى، فإن أيديولوجيا الجماعة تنحو باتجاه تديين الصراع السياسي، ما يدفع بتقسيم المجتمع بشكل طائفي وديني خطير. ولسوء الحظ لا يوجد من بين قيادات الجيل الحالي في الجماعة من لديه القدرة على إعادة صياغة أيديولوجيا الجماعة، بحيث تناسب الأوضاع الجديدة في مصر والعالم.
ثالثا: الخطاب السياسي للإخوان الذي يعاني من ضيق الرؤية وضعف الخيال. وهو خطاب يقوم على مفردات التمكين والمغالبة والإقصاء، وهو ما بدا بوضوح طيلة العام الذي حكمت فيه الجماعة. وهو خطاب عام فضفاض لا يقدم جديدا، سواء على مستوى الرؤية أو البرنامج.
ولعل السؤال المهم الآن هو: إلى أي مدى يمكن أن تؤدي المحنة الراهنة التي تمر بها جماعة الإخوان إلى إعادة النظر في هذه القضايا الثلاث والاستفادة من أخطاء المرحلة الماضية؟ فبدون ذلك أعتقد أنه سيكون عسيرا إعادة دمج الجماعة في الحياة السياسية مجددا.
د. خليل العناني كاتب وأكاديمي مصري
kalanani@gmail.com