بعد خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز التاريخي الذي أعلن فيه صراحة وقوف المملكة إلى جانب المصريين ضد كل من يحاول العبث بأمنهم واستقرارهم داخلياً وخارجياً، أنشأ بعض المنتمين لجماعة «الإخوان المسلمين» «وسماً» على مواقع التواصل الشهير «تويتر»، أسموه «خطاب الملك لا يمثلني»، وضخوا فيه الكثير من الآراء المتطرفة، والبعيدة من اللياقة والأدب والإنسانية.
ومع أن الخطاب الملكي كان يتركز حول ثلاث نقاط رئيسة هي «استقرار مصر يتعرض لكيد الحاقدين والكارهين في محاولة فاشلة لضرب وحدته واستقراره»، و»السعودية شعباً وحكومة تقف مع مصر ضد الإرهاب»، و»من يتدخل في شؤون مصر الداخلية من الخارج يوقدون الفتنة»، إلا أن «الإخوان» ومن لف لفهم اعتبروه ضدهم وعدّوه وقوفاً مع خصومهم، وتناولوه بالتشريح والتفكيك بناءً على رؤية تستمد وجودها من حقيقتهم غير المعلنة التي أبت إلا أن تظهر في هذا الوقت العصيب!
وقد يتساءل مراقب، لماذا لم يفهم «الإخوان» من النقطة الأولى في كلمة الملك أن الحاقدين والكارهين هم الذين أسقطوا الرئيس السابق محمد مرسي وسعوا إلى تغيير الطبقة الحاكمة السابقة؟ ولماذا لم يفهموا من النقطة الثانية أن السعودية ستقف إلى جانب مصر ضد الإرهاب في شكل عام والذي يمكن فلسفته بطرق شتى تتناسب مع أيديولوجية الطرف هذا أو ذاك؟ ولماذا لم يفهموا من النقطة الثالثة أن السعودية حريصة على تقليص حجم المزايدات الدولية على اضطراب الوضع المصري على وجه العموم ومنع التدخلات السياسية المباشرة التي تستغل هشاشة الموقف هناك وما يتبع ذلك من تغيير دولي أو إقليمي لميزان القوى المتخاصمة؟
لم يذكر الملك عبدالله في كلمته أبداً «الإخوان»، ولم يتعرض لفكرهم ومطامعهم السياسية الملتفة بعباءة الدين، ولم يشر لا من قريب أو بعيد إلى «الجيش المصري» والملايين من الناس الذين خرجوا في ٣٠ حزيران (يونيو) الماضي للتعبير عن رفضهم لحكم «الإخوان»، ولم يتحدث عن الخصومة الدائرة والعداوة البائنة بين «الإخوان» وقطاع عريض جداً من الشعب المصري.
كل ما قاله الملك كان منصباً على إنقاذ «مصر الكبيرة» التي لها مكان الصدارة في التاريخ والحاضر والمستقبل العربي والإسلامي، فلماذا خانت الحكمة الرموز الإخوانية، وظنوا أنهم المقصودون بـ «الإرهاب والضلال والفتنة» وأنهم «العابث أو المضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر» كما ورد في الكلمة الملكية؟
فعلوا ذلك لثلاثة أسباب رئيسة تتعلق كلها بالنقاط الثلاث التي جاءت في كلمة الملك عبدالله.
السبب الأول الذي دعاهم إلى مهاجمة كلمة الملك عبدالله أنهم لا يعتبرون مصر إلا «ولاية إخوانية» في المملكة الإخوانية الكبيرة التي يحلمون بها منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية في عشرينات القرن الماضي، وبالتالي فوحدة مصر واستقرارها اللتان شدد عليهما الملك عبدالله في كلمته تمثلان عقبة كبيرة في الطريق لتحقيق هذا الحلم! هم يحرصون على أن يجعلوا حدود الدول العربية القائمة الآن هشة ومفتوحة ليسهل من خلالها الامتداد والتوسع وبناء حلم الدولة السرية التي يقسم كل منتم لقيادة «الإخوان» ألا يُطلع أحداً (ولو من خاصته) على أجندتها.
والسبب الثاني أنهم يعتبرون الإرهاب وسيلة ميكافيلية للوصول إلى هدفهم غير المعلن في فهم مغلوط للآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون). لذلك فكل ذكر للإرهاب يعدونه موجهاً لهم، سواء كان على سبيل الذم أم المدح!
أما السبب الثالث فلأنهم يعدون الوقوف ضد كل تدخل خارجي في مصر إضعافاً لهم وقطعاً لصلاتهم بكل من يدعمهم من الخارج، وما محاولات الاستقواء بالموقف الغربي المشوش وتركيا الأردوغانية إلا استراتيجيات عليا لتمزيق مصر وإضعافها من أجل إلحاقها بالمنظومة الإخوانية التي يخطط لها تنظيمهم الدولي بفروعه المنتشرة في الدول الإسلامية كافة. تحذير الملك عبدالله الواضح (لكل المصريين وليس لطرف بعينه) من الخضوع للتدخلات الأجنبية يتعارض مع إيمانهم بضرورة إدخال الداخل في الخارج لتمييع الوحدة القُطرية من ناحية، ومن ناحية أخرى يغلق مورداً مالياً ضخماً ودعماً معنوياً مهماً، هم في أشد الحاجة له الآن في ظل توافر الفرص التي جاءتهم في غفلة من التاريخ!
من يقرأ تاريخ «الإخوان» يعرف أنهم يمثلون جماعة انتهازية ما فتئت تستخدم الطرق الملتوية وغير الشرعية لتحقيق أهدافها، وظلت منذ تأسيسها تقفز فوق القانون لتحقيق الحلم الكبير، وعندما تحقق لها ذلك بطريق المصادفة التاريخية البحتة الناتجة من أسباب طارئة وغير طبيعية، فرطت في مكتسباتها كلها وتصرفت كجماعة «دولية» تختطف دولة قائمة، لا كحزب مصري انخدع بشعاراته الانتخابية البسطاء من الناس. عندما تحقق لها ما أرادت أوغلت في أخونة مصر واختطافها وأسر أهلها، ما دعا البسطاء من الناس أنفسهم إلى خلعها والتخلص منها في استفتاء تاريخي لم يحدث في تاريخ البشرية من قبل.
نعم، كلمة الملك عبدالله لا تمثلني عندما أضع أقدامي كما يقول الإنكليز في حذاء إخواني (كما فهموا)، لكنها تمثل كل من ينشد الأمان والاستقرار لأمته.
* كاتب وصحافي سعودي
toalhayat@hotmail.com