علي بدوان/مشروع برافر لإستكمال تهويد النقب

وافق الكنيست “الإسرائيلي” وبالقراءة الأولى على مشروع استعماري استيطاني جديد يهدف في جوهره لاستكمال عملية تهويد منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة عام 1948 وتوطين (300) ألف يهودي وإقامة (11) مستعمرة على حساب الوجود العربي ووجود أبناء الوطن الأصليين من عرب النقب في تلك المنطقة، فلماذا منطقة النقب..؟
للإجابة على السؤال الوارد أعلاه، نقول، قبل فترة زمنية، وتحديدًا في الثامن والعشرين من تموز/يوليو 2010، قامت الجرافات “الإسرائيلية” باقتلاع أربعين منزلًا بقرية العراقيب الواقعة داخل عمق فلسطين المحتلة عام 1948، وتحديدًا شمال مدينة بئر السبع، كما أخلت نحو ثلاثمئة من سكانها، بحجة البناء دون ترخيص، في ممارسات تجسد مأساة الشعب الفلسطيني في أوضح صورها في منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة، فمن الاعتقال والملاحقة للشباب العربي هناك، مرورا بهدم المنازل وتدمير القرى العربية، وصولا إلى مصادرة جيش الاحتلال لما تبقى من الأراضي العربية.
تلك الإجراءات “الإسرائيلية” كانت في حينها مقدمات على أرض الواقع لمشروع برافر، وقد جاءت تحت عنوان إجراءات لها علاقة بالتخطيط العمراني كما ادعت سلطات الاحتلال، لكنها في حقيقتها جاءت في سياقات معروفة ومعلومة في إطار سياسات الاحتلال المنتهجة ضد عرب النقب والهادفة لإعادة حشرهم وحصرهم في بقع جغرافية محدودة ضمن مخطط التهويد الشامل والكامل لمنطقة النقب بشكل عام.
وتعد منطقة النقب وعاصمتها بئر السبع من المناطق الحيوية الواقعة جنوب فلسطين المحتلة، نظرًا لاتساع مساحاتها نسبيًّا، وقربها من مصر عبر مجاورتها لحدود طويلة مع منطقة سيناء، ومجاورتها لشريط جنوب الأردن، وإطلالها على البحر الأحمر من خلال فتحة مدينة أم الرشراش (ايلات) التي تعتبر جزءًا من منطقة جنوب النقب. فضلًا عن اكتناز المنطقة للعديد من الثروات الباطنية التي لم تصرح عنها إلا أن سلطات الاحتلال، فيما تذهب العديد من المصادر لتأكيد وجودها، بما فيها العناصر النادرة في الجدول الدوري الكيميائي كاليورانيوم وغيره. إضافة لذلك تعد منطقة النقب من المناطق الرئيسية لتواجد القواعد الجوية الإسرائيلية، ومراكز التدريب والكليات العسكرية لجيش الاحتلال، إضافة لمفاعل ديمونا وملحقاته. فقد انتشرت في قضاء بئر السبع المنشآت العسكرية والمستعمرات التي تتزايد يومًا بعد يوم، التي تحول بعضها إلى مدن كبيرة مثل ديمونا وعراد، وإيلات، ونتيفوت، وافقيم، ويروحام، وسدي بوكر وغيرها.
وفي هذا السياق، فإن تأكيدات عدة صدرت من جهات مختلفة، أشارت إلى أن الجيش الأميركي نصب منظومة صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية في منطقة صحراء النقب جنوب فلسطين التاريخية، في مهمة توفر الحماية الجوية من الصواريخ الباليستية التي قد تطلق باتجاه الكيان الصهيوني، إضافة لمواجهة طائرات خفيفة أو طائرات من دون طيّار. وأوضحت المصادر المختلفة بأن المنظومة الدفاعية مرتبطة بالسفن الأميركية في المنطقة، التي تحمل صواريخ مضادة لصواريخ أرض ـ أرض باليستية. ووفق التفاهمات الأميركية مع العدو الإسرائيلي، فإن المنظومة ستبث إشارات في حال رصدها صواريخ “معادية” إلى السفن الأميركية في البحر المرتبطة برادار سلاح الجو “الإسرائيلي” ليتمكن “الجيش الإسرائيلي” من اعتراض الصواريخ وفق اختياره.
لقد بدأت عملية التهجير القسري الممنهج للبدو الفلسطينيين في منطقة النقب، والتي ترافقت مع قيام الكيان الصهيوني على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، ومع أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كان أكثر من (90) ألف بدوي فلسطيني من أبناء منطقة النقب وعشائرها، قد أجبروا على الرحيل، وتحول معظمهم إلى لاجئين في المناطق المجاورة في قطاع غزة، ومناطق الضفة الغربية خصوصًا منطقة الخليل وضواحي القدس، وشبه جزيرة سيناء والأردن. فقد لجأت غالبية بدو النقب إلى قطاع غزة وبنسبة أقل إلى الأردن وقد عرفوا بـ(السبعاوية)، فيما حطت أعداد منهم في التجمعات البدوية على امتداد الصحاري الشرقية للضفة الغربية حيث ما زالت العشائر البدوية المهجرة من بئر السبع وعراد جنوب فلسطين تعيش في بيوت بدائية من الشعر والصفيح والبلاستيك، كتلك التي عاش فيها ضحايا النكبة جميعهم. كما شكل في أبناء العشائر من بدو فلسطين نسبة لا بأس بها من اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى سوريا ولبنان والأردن من بدو الجليل والجليل الشرقي وغور طبريا وسهل الحولة في الشمال.
واستتبعت سلطات الاحتلال عمليات التطهير العرقي آنذاك، بالقيام بتجريد ما تبقى من البدو الفلسطينيين من ملكية الأرض، واتباع تهجير المنهجي الواسع وصولًا إلى قرار “دولة إسرائيل” بعدم اعترافها بالحقوق العشائرية العرفية لملكية الأرض، حيث تتعامل “إسرائيل” مع أراضي البدو من العرب أصحاب الأرض الأصليين باعتبارها “أراضي دولة”، حيث سنت عددا من القوانين الجائرة، ومنها قانون الأراضي حيث يشير إلى أن الأرض “لا تباع إلى الأبد”، وهي القاعدة التي وجهت المؤسسات الصهيونية المعنية بقضايا التهويد والمسماة بـ”الكيرين كيميت ليسرائيل” لتطبيق سياسة “إنقاذ الأراضي”. وفقا لهذا القول تمت صياغة البند الأول في قانون ما يسمى “أساس أراضي إسرائيل” الذي يمنع نقل الملكية لغير “الدولة والقومية اليهودية”، الذي يشير إلى أن “الملكية لا تنقل إن كان من خلال البيع أو بأي طريقة”، حيث الدولة هي “دولة القومية اليهودية” وكذلك هو شأن الأراضي. وبالتالي فإن العربي صاحب الأرض الأصلي هنا خارج تعريف الانتماء القانوني والتاريخي للسيادة على الأرض، حيث لا حق له على الحيز المنطقي والتخطيطي، وليس له دولة لأنه ليس يهوديا ولا مواطنة حقيقية لأن المواطنة يهودية.
ومن المعروف، أن سلطات الاحتلال كانت قد فرضت على كل من تبقى داخل فلسطين المحتلة عام 1948 نظام (الحكم العسكري) حتى العام 1966 وترتب على ذلك عدم استطاعتهم العودة إلى أراضيهم لزراعتها، وحاجتهم إلى تصاريح خاصة للخروج من المناطق المخصّصة لهم من أجل البحث عن العمل والتعلم، إلخ. ومع مع قيام دولة “إسرائيل” تم سن قوانين مختلفة لمصادرة الأراضي مثل سن قانون “الحاضر الغائب” عام 1951 وقانون أراضي “إسرائيل” عام 1953 لتمنع رد الملكية إلى أصحابها الحقيقيين فحوّلت “إسرائيل” بموجب هذه القوانين حوالي (13) مليون دونم إلى ملكيتها في منطقة النقب.
وباختصار شديد، يمكن القول بأن عمليات ترحيل السكان (التطهير العرقي)، التجريد من الأملاك والقمع، تواصلت من خلال نظام الحكم العسكري الذي سيطر على العرب الفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء داخل حدود العام 1948، حيث حوصر فلسطينيو الداخل، وتم تعرض أبناء النقب للحصار بشكل منهجي وتم نقلهم قسريًّا، وحشرهم في ما يسمى بمنطقة السياج الواقعة في الركن الشمالي ـ الشرقي للنقب، مباشرة إلى الجنوب من الضفة الغربية، وفي مثلث واضح في المنطقة الواقعة بين مدن بئر السبع، عراد وديمونا. فحاول الصهاينة بذلك إبعاد وتشريد البدو الفلسطينيين من أبناء النقب من أجل زيادة السكان اليهود، لذلك حرموا البدو الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين من العرب الفلسطينيين من أبناء النقب من رخص البناء أو الاستقرار في المنطقة، واستمرت هذه السياسة منذ عام 1948 حتى الآن.

علي بدوان
كاتب فلسطيني ـ سوري/دمشق

Related posts

الكنيست الإسرائيلي يصدر سلسلة من القرارات العنصرية الجائره بحق الفلسطينيين* عمران الخطيب

السمهوري: ما حدث في إمستردام من هتافات وتحريض على القتل… جريمة تحريض ودعم لحرب الإبادة التي تشنها اسرائيل

عيوب ومثالب في (دراسات حول المناهج المُطوّرة)* الدكتور هايل الداوود