حين هدد الإخوان المسلمون بالرد على الجيش المصري في حركة 3 تموز، وقالوا إنهم مستعدون، ولديهم وسائلهم الجاهزة للرد، لم نصدق ما سمعنا. ظننا أنهم يفاوضون، والتهديد أداة من أدوات التفاوض، أحيانا. لم نصدق لسببين: الأول، أن استباحة الدم المصري من قبل مصري حرام شرعا. وقد أوصى الرسول(صلى الله عليه وسلم) يوم النحر بذلك فَقَالَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ…» والإخوان مسلمون، كما يعلنون، وظنناهم سيتبعون أحكام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
الثاني، هم يعلمون أنهم، إن فعلوا وتناسوا هذه القواعد الشرعية الثابتة، ونفذوا تهديداتهم، فسوف يكون رد المصريين عنيفا لن يستطيعوا مواجهته؛ وسوف ينهزمون ليقضوا، بذلك، على أية رسالة لهم، إن كانت ثمة رسالة. كانت الحصافة السياسية والدينية تقتضي قبولهم بشروط ثورة الناس عليهم والانكفاء لإصلاح أنفسهم أولا.
لم يكونوا حكماء، فبدأوا المواجهات التي امتدت من شمال سيناء إلى كل المحافظات المصرية، وتصاعدت مع مرور الوقت، وسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى، من ضباط وجنود وأفراد الأمن العام، ومن المدنيين في الأحياء التي اخترقوها بمظاهراتهم العنيفة، وسفك الدم المصري على نظام يومي وبغير توقف.
هل كان الإخوان يريدون تكرار التجربة السورية غير مبالين بالنتائج على مصر وإنجازاتها وعليهم كتنظيم استطاع بمعونة المصريين الوصول لحكم لم يحافظوا عليه؟ إذن لم تكن دعوتهم للجنود والضباط المصريين بالانشقاق لتشكيل «جيش مصر الحر» دعوة تفاوضية، بل كانت تهديدا باستمرار الصراع مهما كلف الأمر. لقد أكدت لهم المراجع العليا في الدولة، رئيس الدولة الانتقالي، صباح الأربعاء الفائت، أن مصر ليست ولن تكون سوريا أخرى.
أما وزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، قد طلب من الناس مباشرة الخروج بملايينهم يوم الجمعة، على وجه التحديد- ليكون ذلك من جانب المصريين بمثابة تفويض صارم جديد للتعامل مع الحالة الجديدة. فقال في خطاب عام: « أسألكم أن تقولوا للعالم كله إنه إذا حاول بعضهم اللجوء للعنف، أو ممارسة الإرهاب، فإن الجيش ورجال الأمن العام مفوضون بمواجهته والقضاء عليه.»
ذلك كان إنذارا آخرَ وأخيرا «للإخوان» لكي لا يركبوا رؤوسهم. فعودتهم للحكم لعشرات السنين القادمة، وربما للأبد، أصبحت في عداد المستحيل. لقد فشلوا في إدارة الدولة وألحقوا ضررا كبيرا بهم وبمصر. وتمادوا، تحت وهم الاستفراد بالقوة، فأعطوا رئيسهم، محمد مرسي، في دستورهم الملغى 22 صلاحية جعلته، وجعلت مرشدهم غير المنتخب، حاكما بأمره شبيها بطغاة القرون الوسطى.
لهذا ثارت مصر يوم 30 حزيران، ونازلتهم، وما زالت مستعدة للنزال؛ ولهذا يحيط المصريون نظامهم الجديد بدمائهم، وسينتصرون. وما الصوت العالي والإصرار على المستحيل من قبلهم سوى شكل من اشكال المكابرة والعناد الفارغ.
نحن في الأردن نعرف ذلك، وعرفناه منذ اليوم الأول لبزوغ فجره، ونثق بحكمة قيادتنا التي دعمت التوق المصري للخروج من المأزق، فلم يتأخر جلالة سيد البلاد المعظم لحظة واحدة ليعلن للأشقاء المصريين باسم كل شعبنا أننا نقف معهم، وننتظر أن ينجحوا النجاح الكبير الذي هم مؤهلون له، لتعود مصر لدورها العربي ولموقعها السياسي ولملء الفراغ في الصف العربي الذي نجم عن غيابها لبعض الوقت.