تحمل الزيارة القصيرة التي قام بها جلالة الملك إلى القاهرة دلالات كبيرة وكثيرة فقد كان الملك عبدالله الثاني أول قائد عربي يزور القاهرة بعد الانطلاقة الثانية للثورة المصرية التي تجددت في 30 يونيو حزيران لتعيد انتاج مصر وتأهيلها لمرحلة جديدة، كما تشير إلى استمرار الدور الأردني في الوقوف إلى جانب الاشقاء في مصر دائماً فقد كان الأردن أول المبادرين لفك الحصار عن مصر بعد المقاطعة العربية لها في زمن الرئيس السادات اثر اتفاقيات كامب ديفيد لادراك الأردن مدى أهمية دور مصر في عالمها العربي وما يعلق على دورها في زمن الحرب وزمن السلم من ضرورات ..
وصل الملك إلى القاهرة ليدشن طريقاً عربياً جديداً باتجاهها يعبر منه قادة عرب آخرون خلال الأسبوع القادم بعد أن تخلصت مصر من حكم الاخوان المسلمين الذين لم يأخذوا بمبدأ التعددية والشراكة ولم يعطوا الفرصة لغيرهم ممن أنجزوا ثورة 25 يناير والتي لم يكن للاخوان فيها الريادة أو النصيب الأوفر ولكنهم استعجلوا الغنائم وانقضوا على مفاصل الدولة المصرية ليسبغوها بلونهم كما استبقوا وضع التشريعات التي تخدم حزبهم ليعبروا إلى مجلس الشورى ويصادموا القضاء الذي ظل حارس مصر الأساسي والذي لم يستطع الاخوان الهيمنة عليه أو جعله يتحول إلى ماكنة تشريع لصالحهم كما استعصى عليهم الأزهر الشريف الذي لم يطاوعهم في الافتاء لصالحهم فلجأوا إلى شيوخ الحارات والحواري من متطرفين وقليلي التعليم والدراية. كان نظام مرسي يحاول أن يكسر حلقة الجيش الوطنية ولكنها استعصت عليه ولذا استيقظ العسكر حين انتبهت القوى السياسية المصرية لما كان يدبر لمصر من هيمنة الاخوان على كل مقدراتها فخرجت هذه القوى تقود جموع الشعب المصري التي دخلت قاموس جنيس في عددها وفي هذا النموذج الذي لم يتكرر عبر التاريخ..
كانت مصر مع الاخوان تساق إلى مغارة الضبع قبل الصدمة التي أفاقت منها لتجد نفسها بعيدة عن روحها ولونها ودورها وأمتها وجوارها والتحديات الكثيرة التي تحيط بها ويستلزم الرد عليها توظيف كل طاقات المصريين وارادتهم واجماعهم الوطني..
نفخر أن يكون قائدنا هو الملك عبدالله الثاني الأول الذي تمتد يده إلى مصر وأن يخاطر بزيارتها ضمن أسلوب التحدي والتضحيات الذي لم يغلقه الأردن ولم يعطله حين يكون الشقيق ملهوفاً أو محتاجاً..
مصر المحروسة والعظيمة..مصر المحبة والايمان والتآلف والحضارة والتعددية تستحق قيادة جديدة تاريخية وتستحق أن تطلق طاقات ابنائها فقد تأخرت عن ركب التطور والنماء والحضارة التي بدأت فيها مع تركيا وكوريا الجنوبية ودول أخرى فأين مصر الآن مما أدركته تلك الدول؟ لقد نزفت مصر كثيراً وتأخرت وخضعت لهيمنة الفساد والحزب الواحد زمن الرئيس المخلوع مبارك و في حكم الاخوان المسلمين ومن الدلف إلى المزراب، ولكن إرادة المصريين وعمق حضارتهم ومحبتهم لبلدهم ورغبتهم في بناء المجتمع المدني المفتوح واطلالتهم على العالم ومشاركتهم فيه دفع أبناء مصر للخروج يوم 30 حزيران ويواجهوا الحكم الشمولي الذي لم تعهده مصر والذي لم يمكنها من احراز أهدافها الوطنية والقومية وأهداف شعبها في التنمية والعيش الكريم فكان الجيش الوطني الذي ذكره الرسول بقوله «أجناد مصر مباركة» منذ وصل رد المقوقس عليه في غزوة أحد وقد آمن بما جاء به الرسول (ص) وأهداه هدية من خيول مطهمة وأيضاً ماريا القبطية أم أولاده الذين لم يكتب لهم العيش طويلاً ابراهيم والقاسم..فكان لمصر دائماً في نفسه المكانة المرموقة ولأجنادها وجنودها المنزلة العليا وقد ظل جيش مصر جيش عبد الناصر والفالوجة في فلسطين يحافظ على وطنيته التي غرسها فيه أحمد عرابي في ثورة مصر عام 1919 وسعد زغلول ومصطفى كمال والباشا النحاس وقادة مصر الملهمين وأبطال جيشها عبد المنعم رياض والشاذلي وأخيراً السيسي لزيارة الملك لمصر الآن دلالات تفوق دلالة الدعم المادي أو توازيه كما فعلت الشقيقة المملكة العربية السعودية والامارات والكويت الذين قدموا المليارات من الدولارات حيث كان ما جرى تقديمه هو بلسم وترياق وواجب وصل في وقته وندعو الى أن يتعاظم ويزداد من أجل مصر وشعبها الذي خدم القضايا العربية ولم يقصر وكان في المقدمة دائماً
لا يجوز أن يتعطل دور مصر الوطني والقومي الآن أكثر ولا يجوز ان يرهن وعلى القيادة الانتقالية الجديدة المخلصة أن تسارع في احداث التحولات التاريخية وان تعيد بناء المصالحة الوطنية لكل المصريين لتظل مصر المحروسة هي العنوان وأمنها واستقرارها هو الغاية المصرية والعربية أيضاً..