ظهرت كتابات كثيرة في الأيام الماضية، اثر إسقاط حكم «الإخوان المسلمين» في مصر، تعبر عن الأمل بأن يشكل ذلك فرصة لتصحيح المسار الذي ذهبت إليه التغييرات في الأنظمة التي قامت اثر موجة «الربيع العربي»، والتي فتحت الباب أمام قوى الإسلام السياسي للسيطرة على الحكم، او لعب دور مركزي فيه، في كل من مصر وتونس وليبيا، فضلاً عن بروز دور واضح للتيارات الإسلامية، من «اخوان» وغيرهم في الثورة السورية. وتفاءل البعض بأن يفتح هذا التطور الجديد في الحدث المصري نافذة امام قوى الحداثة والليبرالية، ولإخراج السياسة من عباءة الإرث الديني. ويبني هؤلاء آمالهم على ان الاحتشاد الشعبي ضد حكم «الإخوان»، والذي ضم معظم التيارات التي تمثل الشارع المصري، لم يراعِ المسألة الدينية التي تشكل اساساً في الطرح الإخواني، الذي يتبنى شعار «الإسلام هو الحل»، بل حاسب «الإخوان» على ما اعتبره فشلهم السياسي، بصرف النظر عن دعايتهم الدينية.
هل هناك اسس واقعية تدعم هذه الآمال المتفائلة؟ هل نحن امام انبلاج «عصر نهضة» جديد، من دون ان نعي ذلك؟
يجب القول هنا ان كثيرين انقضوا للتنافس على اقتناص فرصة اسقاط حكم «الإخوان»، واعتبروها انتصاراً لهم ولمشروعهم. ولم يقتصر ذلك على احزاب المعارضة المصرية وقواها الليبرالية التي رأتها مناسبة لإعلان سقوط الإسلام السياسي ونهاية اي دور له في الحياة المصرية. فالتيارات السلفية، وعلى الأخص منها حزب «النور»، وجدتها مناسبة أيضاً لاقتناص هذه الفرصة واعتبار نفسها بديلاً مقبولاً لسقوط «الإخوان» في الفخ الذي نُصب لهم من قبل القوى المعارضة. والغريب هو الخليط الذي ضم كل القوى التي اعتبرت نفسها منتصرة، والذي اجتمع فيه المدني والعسكري، الإسلامي والليبرالي، اضافة الى من يصفون انفسهم بالعلمانيين، في خلطة يصعب تصور تركيبتها السحرية في اي مختبر كيميائي. وكان غريباً بنتيجة هذه الخلطة العجائبية، ان الذين استنتجوا نهاية عهد الإسلام السياسي في مصر، وبزوغ شمس الليبرالية والحكم المدني، القائم على فصل الدين عن الدولة، في مواجهة شعار «الإسلام هو الحل» او «القرآن دستورنا»، الغريب ان هؤلاء فاتهم ملاحظة جلوس السلفيين الى جانبهم في انتصارهم هذا في معركة «الحداثة». كما فاتتهم ربما قراءة المادة الأولى من الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس الموقت وجاء نصه مطابقاً حرفياً للنص الذي اعترضت عليه قوى المعارضة سابقاً من حيث تضمينه مبادئ الشريعة في الدستور. وكل هذا كي لا نتحدث عن تحالف معارضي حكم «الإخوان» مع العسكر، وهو تحالف يهدد بطبيعته أسس الحكم المدني وشروط قيام الدولة الحديثة.
بين الذين شعروا أيضاً بالانتصار لإسقاط حكم «الإخوان» في مصر كان الرئيس السوري بشار الأسد الذي وجد في ذلك فرصة لإحياء ما سماه «المشروع القومي العربي». ورأى ان «الهوية العربية بدأت تعود الى موقعها الصحيح». ولم يجد الأسد «العروبي» اي حرج في التحالف القائم بين نظامه وبين نظام اكثر تديناً من نظام «الإخوان» او اي نظام ديني آخر، هو نظام «ولاية الفقيه» في ايران، انطلاقاً من أن هذا النظام، كما قال الأسد، لا يميز بين الناس على أساس ديني او طائفي!
هكذا اجتمع مدّعو العروبة وأدعياء العلمانية والحداثة مع القوى السلفية والحكومات الدينية تحت رعاية القوات المسلحة لإنتاج الدولة المدنية في مصر!
اذا كان للقوى الليبرالية المصرية ان تستفيد، كما تقول، من الفرصة التي وفرها اسقاط حكم «الإخوان» من اجل بناء اسس دولة حديثة في مصر، فإن المدخل الى ذلك لا بد ان يكون من خلال قراءة صحيحة للتحالفات التي تقيمها هذه القوى مع جهات هي ابعد ما تكون عن فكرة الليبرالية والحداثة والحكم المدني. وإذا كان صحيحاً ان العامل المصلحي والرغبة في العودة الى الحكم شكلت دافعاً وراء تحالفات القوى الليبرالية في مصر، فإن الدعوة التي تطلقها هذه القوى الى تصديق شعار الحداثة الذي ترفعه يفرض عليها ان تتحرر من كثير من الحلفاء الذين يشكلون عبئاً على مشروع الدولة المدنية، ربما اكثر من «الإخوان» أنفسهم.