ما كتبه المستشار طارق البشري في تحليل أزمة مصر الراهنة قلب الطاولة على كل الجالسين حولها. إذ في حين يتركز الحوار الدائر الآن حول سبل حل أزمة السلطة مع الإخوان، فانه خرج علينا بقراءة مختلفة لتشخيص الأزمة حين اعتبرها موجهة ضد الديمقراطية قبل ان تكون موجهة ضد الإخوان، كأنه أراد أن يقول إنها أزمة وطن قبل أن تكون أزمة جماعة.
قبل أن يصل إلى تلك الخلاصة في المقال الذي نشرته «الشروق» أمس (10/7)، واصل المستشار البشري سباحته ضد التيار حين عاد إلى تعزيز رأيه الذي وصف فيه ما أقدم عليه الجيش في الثالث من شهر يوليو الحالي بأنه انقلاب عسكرى وليس ثورة كما يدعي كثيرون. في هذا الصدد فإنه اعتبر المساواة بين ما جرى فى 25 يناير وبين تدخل الجيش فى 3 يوليو من قبيل القياس الفاسد الذي لا يعول عليه. فتدخل الجيش في 25 يناير جاء ليحمى إجماعا شعبيا (عبرت عنه الجماهير التي خرجت معلنة رفضها لرئيس استند إلى انتخابات مزورة لينفرد. بالسلطة طيلة ثلاثين عاما ويتأهب لتوريثها لابنه) اما تدخل الجيش في 3 يوليو فقد تم في ظل انقسام للمجتمع، الأمر الذي يتعذر وصفه بأنه انحياز للإرادة الشعبية، وانما يبدو وكأنه انحياز إلى طرف في مواجهة طرف آخر (فضلا عن أنه استهدف أول رئيس مدني في تاريخ مصر تولى منصبه بعد انتخابات حرة ونزيهة). ثم انه أسفر عن تجميد دستور أعدته جمعية منتخبة وتم الاستفتاء عليه وأقرته أغلبية الشعب المصري. أي أن ما جرى كان انقلابا عسكريا ضد وضع ديمقراطي مكتمل المواصفات والأركان. الأمر الذي يعني أن وصفه بأنه ثورة يعد من قبيل التغليط القانوني والتدليس السياسي.
هوَّن المستشار البشرى بصورة نسبية من شأن الأزمة مع الإخوان، وقال انه كان يمكن ان تحل بيسر فى ظل دستور عام 2012 الذي تم تجميده، وذلك من خلال إجراء انتخابات برلمانية تمكن المعارضة التى تلقى تأييدا متزايدا من الفوز فيها، وفي ضوئها تشكل حكومة يعطيها الدستور صلاحيات أكبر من تلك الممنوحة لرئيس الدولة. الأمر الذى يعني أن تلك الحكومة ستكون هى الحاكم الحقيقى للبلاد، وبذلك تحقق المعارضة مرادها من خلال مسار يحترم الدستور ويثبت دعائم دولة القانون.
أغلب الظن أن فقيهنا القانونى الكبير لاحظ ان الأضواء مسلطة على جانب واحد من الأزمة الراهنة، هو الظاهر منها المتعلق بموقف ومصير الرئيس مرسي وجماعة الإخوان، وأدرك محقا ان ذلك الجانب يستأثر دون غيره بالاهتمام الإعلامى والسياسى. فضلا عن انه يشكل المحور الأساسي للاتصالات والمبادرات الجارية بين مختلف الأطراف. وذلك جانب مهم من الأزمة لا ريب، واستمراره مؤقت فى كل الأحوال، لذلك فقد أراد أن يدق الأجراس منبها إلى الشق المسكوت عليه من الأزمة، المرتبط بمصير الديمقراطية في مصر، الذى يمكن أن تمتد آثاره لعدة سنوات بعيدة مقبلة.
من المفارقات الجديرة بالتسجيل في هذا الصدد ان رموز المعارضة التي لم تستطع ان تقدم نفسها كبديل أمام الرأى العام، التفت حول خطوة قيادة القوات المسلحة، وغضت الطرف عما تمثله من تهديد للمسار الديمقراطية الذي قطعنا على دربه شوطا متواضعا.الا أن الأطراف الخارجية ممثلة من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة هي التي بعثت برسائلها القلقة حول مصير ذلك المسار. وقد أبدت تلك الدوائر قلقها من خلو البيان الذي ألقاه وزير الدفاع وأعلن فيه ما سمى بخريطة طريق المستقبل لم يحدد أية مواعيد للخطة المزمع اتخاذها. وحين توالت الرسائل القادمة من تلك الجهات مستفسرة عن هذه النقطة وداعية إلى احياء الأمل في استيفاء الشكل الديمقراطي على الأقل، صدر الإعلان الدستوري أخيرا مستوفيا الشق المنقوص.
في شهادته نزع المستشار البشري الشرعية القانونية عن الانقلاب الذي تم، وذهب إلى أن قرار عزل الدكتور محمد مرسي وتعطيل الدستور من شأنه إسقاط الوزارة التي اكتسب وزير الدفاع شرعية أوامره التنظيمية من وجودها بحسبانه وزيرا بها. ووصف الأزمة من هذه الزاوية بأنها «معضلة» لان من قام بانقلاب عسكري يستحيل عليه العدول عنه، كما أن من يقبل بالتنازل عن بعض الأوضاع الدستورية والقانونية لكي يتفادى بعض إضرار الانقلاب، إنما ينشئ سابقة دستورية خطيرة تفتح الباب لاحتمال تدخل العسكر في أي وقت لفرض أي مطلب فى ظل أزمة تواجه الوطن.
ولأنها معضلة تبدو عصيَّة على الحل في الظروف الراهنة، فإنه اكتفى بتشخيص المشكلة واستدعائها إلى المشهد، مؤديا واجبه في الدفاع عن حلم الديمقراطية في مصر، داعيا الجميع للتفكير والتحرك من أجل الحل.