عروبة الإخباري – قدم الفنان السوري سميح شقير مجموعة أفكار لإرجاع الثورة إلى مسارها الصحيح.
واقترح في رسالة له إيجاد جسم سياسي يمثل جميع المحافظات السورية يغلب عليه الطابع الشبابي، ليقود هذا الجسم العملين السياسي والعسكري على الأرض.
ووضع الفنان الأول الذي انحاز للثورة أفكاره ومقترحاته للنقاش العام لتطويرها أو حتى معارضتها مع تبيان أسباب ذلك، “فالهدف بالنهاية هو تجاوز مشكلة جوهرية تعيشها ثورتنا وصولا إلى امتلاك رؤية وسلوك ثوري يليق بحجم تضحيات شعب عظيم”.
وفيما يلي نص رسالة الفنان سميح شقير:
بما أن الثورة السورية العظيمة تواجه لحظة عصيبة من تاريخها تتمثل بمسوى عال من التدخل الإقليمي والدولي نتج عنه واقع من الهيمنة على قياداتها السياسية والعسكرية.
(والتي تشكلت أساساً ممن عينوا أنفسهم ولم تنتخبهم قوى الثورة) ومع افتقاد معظم هذه القيادات حالياً لاستقلاليتها بل وارتهان قرارها لدول وأشخاص داعمين مالياً أم سياسياً (كالمجلس والائتلاف وكثير من التشكيلات العسكرية وغيرها).
وبغض النظر عن طبيعة الأسباب التي أودت إلى هذه النتيجة، لا يمكن التسليم بهذا الواقع على الإطلاق مع احترامي لكل جهد مخلص قد بذل لكي لا نصل الى وضع كهذا.
وبما أن عسكرة الثورة والتي نتجت عن عنف النظام ودمويته أوجدت مئات التشكيلات العسكرية المناهضة للنظام، لكن دون أن تستطيع معظم مكوناتها من بناء جيش متماسك يتمتع بمناقب مستمدة من أهداف الثورة وغاياتها (والتي عبرت عنه مختلف تيارات الثورة السياسية عبر وثيقة القاهرة).
بل ومع إعلان عدد من التشكيلات المسلحة عن أهداف لها تختلف تماماً عن أهداف الثورة ولا تتقاطع معها إلا في مطلب إسقاط النظام، ومع دخول مسلحين أجانب لهم نفس أهدافهم ومع إسقاط حتى علم الثورة واستبداله براياتهم، ومع إعلان بعضهم ولاءه للقاعدة بكل وضوح ومع سيطرة الممولين على سلوك أغلب التشكيلات يتضح المشهد عن فقدان القرار السوري الثوري المستقل ليتكامل في فجيعته مع فقدان استقلالية هذا القرار في (الائتلاف) أيضاً.
ومع تشوه وجه الثورة بالكثير من الممارسات غير الثورية وأنا لست هنا بمعرض امتداح التضحيات ولا التقليل من أهمية كل فعل هدف للدفاع عن الشعب وحراكه الثوري ولكني أوجه النظر إلى الجانب الإشكالي من بعض القضايا والتي بقراءة سياسية نجد أننا أمام معضلة لا بد من أن نواجهها بجرأة حتى لو كانت موجعة إذا كنا نريد لهذه الثورة أن تصل إلى أهدافها الحقيقية والتي قدم شعبنا من أجلها أعظم التضحيات.
أشخّص هذه الإشكالية بنقطتين أساسيتين:
١- الهيمنة على (الائتلاف) وعلى (التشكيلات المسلحة التي تقاتل ضد النظام) وفقدها لقرارها السوري المستقل وإذا أضفنا عليه فقدان (النظام) القرار المستقل أيضاً بعد أن حطم البلاد بعنجهيته، وعبر محاولته كسر إرادة الشعب الثائر وتحوله منذ زمن إلى دمية بيد إيران وروسيا بسبب حاجته الماسة لهما ضماناً لاستمرار وجوده، فسنكتشف أن المشهد بعمومه شديد القسوة لأنه يكشف رغبة الكثير من الدول وحتى الداعمة للمعارضة في أن تتحول سوريا إلى ساحة صراع لمحورين ليحدث فيها كل شيء سوى انتصار الثورة والتي يخشاها على ما يبدو (لأصدقاء) والأعداء معاً لذا فالإشكالية الأولى هي في كيفية استعادة القرار السوري الحر والمستقل والذي هو المفتاح الحقيقي لانتصار الثورة.
2- إن وجود بعض التشكيلات العسكرية التي لا تخفي أهدافها المتمثلة بالاستيلاء على السلطة وإعلان دولة دينية في الوقت الذي يعلم الجميع أن الرسول العربي الكريم بنفسه لم يؤسس دولة دينية بل مدنية، ومن ثم تقديم هذه المجموعات لنموذخ في السلطة متشدد وغريب عن حياة السوريين وعاداتهم في المناطق التي يسيطرون عليها.
إن وجود هذه المظاهر قد كرس صورة للثورة بغير طابعها الحقيقي نتيجة لخلط في أذهان الكثيرين لم يأت من فراغ بل نتيجة اختلاط واقعي حدث بين (الثائر) الراغب بإسقاط النظام لأجل بناء سورية المدنية الحرة التعددية العادلة، وبين (المجاهد) الذي يرغب بإسقاط النظام ليقيم دولة خلافة ليست محصورة بالجغرافيا السورية أساساً، وإذا كان من حق أي إنسان ان يكون له رأي مختلف وله أن يحاول إقناعنا بصواب رأيه، لكن ليس من حقه أن يفرض رأيه بقوة السلاح على آخرين شركائه في الوطن.
إذن فبرأيي علينا إذا كنا نتحدث عن قوى الثورة أن نستثني من لم يؤمنوا بأهدافها عندما نتحدث عن إعادة تشكيل الجسدين السياسي والعسكري للثورة.
إن هذا الفرز هو ما سيمكننا من تأمين التفاف كل التشكيلات العسكرية الثورية ضمن منهج يلتزم بأهداف الثورة وفي جسد واحد ووفق تراتبية وقواعد أداء محددة.
كما يساعد التنسيقيات وكل من يقوم بجهد مدني مؤازر للثورة في توحيد خطابها وتنسيق مواقفها وجهودها أما بعد الحديث عن هاتين النقطتين، فلا بد من اقتراح لمعالجتهما لذا فإني أقترح ما يلي:
1- تشكيل جسد سياسي جديد من القوى الثورية عبر شكل (انتخابي ميداني) إذا صح التعبير، أي ضمن ظروف لا تسمح بعمل انتخابات بمواصفاتها الاعتيادية.
واقترح التالي: بناء على توفر معلومات كافية ضمن كل (محافظة) عن المكونات الثورية من تنسيقيات أو تشكيلات عسكرية، يجري التواصل معها وسؤالها إن كانت تتبنى أهداف الثورة واعتبار (وثيقة القاهرة) أساساً مقبولاً للبناء عليه، وفي حال موافقتها تجري مطالبة كل منها بترشيح (على سبيل المثال) عشرين اسماً من محافظتهم وعشرين من السوريين من غير محافظتهم وعشرين آخرين من السوريين الموجودين خارج سوريا وتتم كتابة هذه القوائم مع هامش يشير إلى اسم التنسيقية أو التشكيل مع توقيع ثلاثة من أعضائه على ورقة الترشيح وإرسالها ورقياً والكترونياً إلى لجنة تقوم بعمل تقني محض (بوجود مراقبين من أكثر من هيئة حقوقية محلية ودولية) وهو جمع هذه الترشيحات والتأكد من مطابقة النسخة الورقية مع الالكترونية ثم تحقيق تقاطعاتها وتقديم الأسماء التي تواترت المطالبة بترشيحهم لنحصل وبشكل سريع وفعال على أسماء من اختارهم الحراك الثوري لتمثيله سياسياً وبهذا نستطيع وللمرة الأولى تشكيل هيئة سياسية منتخبة (بالشكل الممكن).
إن وجود هذه الهيئة المتمتعة بثقة مكونات الحراك الثوري هو السبيل الوحيد لفرض احترام كل الدول لهذه الثورة وتراجع إمكانية العبث بقرارها المستقل كما أن شرعيتها ستمكن أعضاءها من مواجهة أي حملة تشهير تستهدفهم كأفراد لأنهم محصنون بالثقة الممنوحة لهم والتي لا يسقطها إلا دليل دامغ يشير إلى غير ذلك.
٢-ما بعد ذلك يعقد مؤتمر للفائزين بالترشيح (ويفضل أن يعقد داخل سوريا)، ويتم انتخاب قيادات المكاتب المختلفة وانتخاب رئيس للهيئة وليس من الظروري تقييد رئاسته بزمن محدد كي تتراكم الخبرة ويستفيد من رمزيته في العلاقات الدولية على أن يكون من الممكن في أي وقت إجراء انتخابات جديدة لرئاسة هذه الهيئة في حال طلب أكثر من ثلث الأعضاء ذلك.
إن الالتفاف الشعبي المتوقع بعد هذه النقلة سيوفر تجاوباً في الأداء على الأرض وبدء صياغة أمثلة متقدمة في شكل الإدارة المدنية توسع الحاضنة المجتمعية لقوى الثورة كما سيمكن للقيادة السياسية المنتخبة وقتئذ إعادة تشكيل هيكليتها العسكرية على شكل جيش وطني حر يرتبط ويوجه من قبل القيادة السياسية.
إن وجود هذا التمثيل السياسي الحقيقي بشخوصه الشابة على الأرجح يعطي العمل الثوري دينامية جديدة، لأن الجميع يلاحظ أنه تم دفع معظم الشباب إلى الصفوف الخلفية للمجالس والهيئات التي تشكلت حتى الآن.
إن قيادة سياسية جديدة منتخبة على أساس كفاءة وإخلاص أعضائها وبعيداً عن لغة المحاصصة المناطقية أو الطائفية ووجود قناعة بأن أي منهم يمثل سوريا بأكملها لهو أفضل طريق لاجتذاب المترددين وأبناء الأقليات الذين توجسوا من خطاب مذهبي مارسه البعض وكان محسوباً على قوى الثورة وهذا ما سيُحدث فارقاً في مجريات الأمور ويقرب ساعة الخلاص.
ختاماً أرى أن سر الوهج الساطع للثورة في أشهرها الأولى وانتصارها الذي لاح كان بسبب انتصارها الأخلاقي الكاسح مقابل جرائم النظام، والآن ورغم وجود الوجه المسلح للثورة يجب الإصرار على الانتصار الأخلاقي من خلال حماية المدنيين وبذل كل المستطاع لتسهيل أمور حياتهم وعلينا أن نظهر كل الحرص على وحدة النسيج الاجتماعي السوري بكل مكوناته ليكون أساسا لمصالحة كبرى آتية لا ريب بعد انتصار الثورة المأمول.
سميح شقير