سمير الحجاوي/مجزرة في قلب القاهرة

لم يكد المصلون أمام دار الحرس الجمهوري في القاهرة يخفضون رؤوسهم في الركعة الثانية من صلاة الفجر حتى غطت السماء سحابة من الغاز المسيل للدموع، وانتشر ضباب الغازات الكثيف في المكان وانهال عليهم الرصاص من كل حدب وصوب، ليقتل منهم على الفور 55 بريئا من بينهم 8 نساء و6 أطفال من بينهم أطفال رضع في أحضان أمهاتهم.. ويصيب أكثر من 1000، في مجزرة دامية لم تشهدها عاصمة الكنانة منذ سنوات طويلة،

هذه المجزرة البشعة يتحمل مسؤوليتها بالكامل الجنرالات الانقلابيون المتمردون الخارجون على القانون والدستور والمغتصبون للسلطة والقافزون على الإرادة الشعبية والقاتلون للحلم الديمقراطي المصري.. هؤلاء الجنرالات المتمردون يتحملون مسؤولية كل الدم الذي سال على سجادات الصلاة ويتحملون مسؤولية إغراق مصر في الفوضى وعدم الاستقرار والبلطجة.

هؤلاء الانقلابيون ومعهم الفلول والمعارضة العدمية يدفعون مصر في اتجاه “حرب أهلية” بإصرارهم على المضي قدما في انقلابهم الظلامي، وهو انقلاب بني على حسابات خاطئة ومعايير غير دقيقة لم تأخذ رده الفعل الشعبية المعارضة بعين الاعتبار، كما أنها لم تأخذ الظروف المحلية والإقليمية والدولية الرافضة للانقلابات العسكرية من حيث المبدأ، وهو ما دفع الاتحاد الإفريقي إلى تجميد عضوية مصر في الاتحاد، في الوقت الذي حاول فيه الاتحاد الأوروبي الكذاب والمنافق والدجال التهرب من اعتبار استيلاء العسكريين على السلطة انقلابا عسكريا، في ازدواجية معايير مخجلة، وهو نفس الموقف الأمريكي والروسي والصيني، ولم يغرد خارج السرب إلا تركيا التي اعتبرت حكومتها أن ما جرى في مصر انقلابا عسكريا كاملا.

العسكر بشكل عام لا يعرفون غير لغة الدم والرصاص وإصدار الأوامر، ولا يعرفون الحوار والسير في دهاليز السياسة المظلمة، وهو ما تثبته الإحداث في مصر، فقد برر الجنرالات انقلابهم على الرئيس الشرعي المنتخب بأنه من أجل حقن الدماء، وتعهدوا “بتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية ووضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام” لكنها بدلا من ذلك قامت إلى جانب الإطاحة بالرئيس الشرعي وتعطيل الدستور باعتقال 300 من قيادات الإخوان المسلمين وإغلاق المؤسسات الإعلامية والفضائيات الإسلامية والمناصرة للرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي، ثم انحازت إلى جانب المعارضين للشرعية الدستورية وذهبت أبعد من ذلك عندما حاصرت المتظاهرين المؤيدين للشرعية في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة بالدبابات والحواجز العسكرية، لكن هؤلاء الجنرالات لم يكتفوا بذلك بل بدؤوا بتهديد المؤيدين للشرعية الدستورية، وصولا على ارتكاب مذبحة فظيعة أمام دار الحرس الجمهوري سال فيها الدم المصري الزكي في الشوارع.

يخطي الجنرالات الخارجون على القانون في حساباته إذا اعتقدوا أن انقلابهم سينجح، وأنهم سيمرون، يخطئون كثيرا لأنهم فشلوا في قراءة الخارطة السياسية المعقدة في مصر، ودخلوا في متاهات ستقودهم إلى مستنقع لم يخرجوا منه أبدا، لأن الشعب المصري المؤيد للرئيس الشرعي مصر على المواجهة والمنازلة والمكاسرة في الشوارع والميادين، وهذا يعني أنهم دخلوا في مواجهة مع نصف الشعب على الأقل.

انقلاب الجنرالات المتمردين ومعهم الفلول وصحوة تمرد نفذ اعتمادا على “كتالوغ” قديم مع إخراج جديد وضع “مجموعة” من المدنيين في الواجهة مع محاولة توفير غطاء ديني من شيخ الأزهر وبابا الأقباط، وهي محاولة بائسة يائسة لا تعني سوى ضحالة التخطيط لهذا الانقلاب الرديء الذي نجح بقتل الحلم المصري بالديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة.

مسؤولية الجرائم في الانقلابات والمجازر لا تسقط مع الزمن وهؤلاء الجنرالات سيقدمون للمحاكمة أمام محكمة الجنايات الدولية، سيحاكمون وسينالون عقابهم لا محالة عاجلا أم آجلا.

لقد أراد الانقلابيون والفلول “تكفير” المصريين والعرب بالديمقراطية ودفعهم إلى اليأس من الثورة والربيع العربي وإغلاق ملف الثورة في مصر والعالم العربي مرة واحدة إلى الأبد، وهذا ما دفع دولا خليجية إلى تقديم أموال ضخمة لصالح الانقلابيين.

لقد سقط عقيد ليبيا وسقط جنرال تونس وسقط جنرال مصر وسقط جنرال اليمن وسيسقط جنرالات السيسي لا محالة وسيسقط مشروعهم وخارطة طريقهم التي لن تقود إلا إلى الهاوية، وكما حوكم الجنرالات الصرب وجنرالات تركيا على جرائهم سيحاكم هؤلاء أيضا ولو بعد حين.

لا حل في مصر إلا بعودة الشرعية والرئيس الدستوري المنتخب الدكتور محمد مرسي، وغير ذلك فإن الانزلاق نحو الفوضى سيكون سيد الموقف.. فهل يفهم الجنرالات ذلك؟

Related posts

الكنيست الإسرائيلي يصدر سلسلة من القرارات العنصرية الجائره بحق الفلسطينيين* عمران الخطيب

السمهوري: ما حدث في إمستردام من هتافات وتحريض على القتل… جريمة تحريض ودعم لحرب الإبادة التي تشنها اسرائيل

عيوب ومثالب في (دراسات حول المناهج المُطوّرة)* الدكتور هايل الداوود