يخرج المصريون الآن عن بكرة ابيهم..خوفاً على مصر..وحباً لمصر وحفاظاً على هويتها ومنعاً من ان يرهنها تيار أو حزب واحد بعد أن دفعت الثمن غالياً قبل ثورتها التي لم تفرح بها حين جرى السطو عليها ومحاولة اجهاضها بوسائل أخرى..
مصر عميقة الجذور وشعبها متحضر ولا أعتقد أنها ستذهب إلى العنف أو الحرب الأهلية كما في أقطار أخرى فقد ظل المصريون بعيدين عن العنف بالمعنى الذي استقر في الذهن..
المهلة التي اعطيت للرئيس مرسي للنزول عن الحكم ستمضي دون أن ينزل وسيركب رأسه ويستمر في التحشيد فسياسة الاسلاميين هي هكذا..إذا ما وصلوا إلى السلطة استنكروها على غيرهم أو على المشاركة الجادة وظلت عيونهم على احتكارها في تجارب عدة، أظهر الاخوان المسلمون رغبتهم في السلطة واستعملوا من أجلها الانتخابات والصناديق والتحالفات والسياسات البرجماتية والصفقات وكل ما كان شرعياً أو وقع اللبس في شرعيته وحين كانوا يصلون أو يصعدون على الشجرة كما قال كانوا يسرعون إلى «قلب ظهر المجن» والتنكر لتداول السلطة بل انهم منذ اللحظات الأولى يضعون أيديهم على مؤسسات الدولة ويستولون عليها ويجيرونها أو يغيرونها لصالحهم وهذا ما استفز المصريين حين رأوا أن بلدهم يسحب منهم تحت غطاء الخلاص من نظام مبارك للمجيء بنظام لا يختلف عن سابقه سوى في التسمية اذ لم يلمس المصريون الذين اتهموا بالاستعجال أي اشارات حتى لا نقول تغييرات هامة تذكر تخرجهم من أسباب ثورتهم على عهد مبارك فالأمر بقي كما هو بل إن بعض التطورات كانت أسوأ..
مصر على مفترق طرق وزواجها من الاخوان المسلمين الآن موقع تساؤل وبطلان وهناك من يريد طلاقها منهم بدرجة بائن بينونة كبرى حين حددت عدة الحكم القائم بـ (48) ساعة فقط.
وإذا كان نظام مرسي يتهم (22) مليون توقيع وملايين الذين خرجوا احتجاجاً عليهم بأنهم من الفلول أو الكارهين للاسلام فمعنى ذلك أن هذه الحصة كبيرة جداً وربما الأغلبية فلماذا لم يقاسمها السلطة؟ ولماذا تصبح مصر في هذه الأعداد من الفلول وهذا القول فيه تزكية لمبارك وحكمة البائد..
المصريون هم المصريون ليسوا فلولاً ولا كارهين للاسلام وانما هم كارهون لسياسة الاسلاميين وليس حتى للاسلام السياسي..كارهون لسياسة أكل الحلاوة في الرؤوس بإسم الدين ورفع شعار الاسلام هو الحل دون تقديم أي حل..
في اعتقادي لن يخلي مرسي وحزبه (الاخوان) ومرجعياته السلطة كما أخلاها مبارك، وجماعته على استعداد أن يقاتلوا وأن يحولوا مصر إلى جهنم كما يفعل النظام السوري لأن الاسلاميين (الاخوان) لا يصلون السلطة ويتركونها طواعية أو أمام استحقاقات الديموقراطية والانتخابات فهم يقطعون تذكرة واحدة باتجاه السلطة فقط دون عودة.
الحل إذن هو في تدخل الجيش المصري حين يبدأ الاسلاميون الاخوان في تفجير الوضع والجيش المصري هو جيش وطني بغض النظر عن بعض قياداته التي صعدت إلى السلطة في المرحلة الانتقالية وتحملت مسؤولية اجهاض ثورة (25) يناير لتسلم السلطة إلى الاخوان المسلمين بدعم من الولايات المتحدة التي ضغطت على منافس الرئيس مرسي ليرحل خارج مصر..
الجيش يستطيع الآن بأكثر من وسيلة أن يعيد انتاج الواقع المصري اذا ما استمر التجاذب المؤدي إلى الصدام ولكن الجيش لن ينجح في حكم مصر وعليه أن يضع خطة لاخلاء دوره فوراً بعد أن تجري انتخابات حرة ونزيهة تأتي بغير القوى الحاكمة وتحول الثورة إلى ثورة عمودية تكون لها جذور وثمار وليس إلى مجرد طلاء تواطؤ الاخوان المسلمون على قبوله..
أراهن على حضارية الشعب المصري وعمق حضارة مصر وعلى أحزابها وقواها السياسية الوطنية الحية ولا أراهن على قبول الاخوان للواقع وتخليهم عن السلطة والذهاب إلى الانتخابات وهم أصحاب قاعدة لا ينكرها أحد..أراهن على دور للجيش مؤقت للخروج من الأزمة ليس بالتواطؤ كما حدث حين رحل مبارك وانما بالوطنية ليرحل مرسي..
alhattabsultan@gmail.com