قالها الملك أمس في خطابه في تخريج دفعة جديدة من تلاميذ الجناح العسكري في جامعة مؤتة «لا أحد أقوى من الدولة» حين يطبق القانون ولكن حين لا يطبق بسبب الضعف أو الاهمال أو التخاذل فإن الدولة تصبح في آخر الطابور ليتقدم عليها غيرها ممن يخرجون على القانون أو يأخذونه بأيديهم أو ممن لا يجدون أن القانون ينصفهم أو أن الدولة ترعى مصالحهم.
لقد ظلت مشكلة تطبيق القانون أو محاباته ليتجاوز عن هذا أو ذلك أو ليخترقه هذا أو ذلك مشكلة تتراكم لتعكس جزءاً أساساً من العنف الاجتماعي الذي شهده مجتمعنا في السنوات الأخيرة والذي ظل غريباً عن طبائعنا وعاداتنا وتقاليدنا وعشائرنا..
غياب القانون صنع مراكز قوى اجتماعية واقتصادية وسياسية ومكن فئة قليلة من الصيد في الماء العكر المتسبب من غيابه فأشاعت الفوضى ونشرت الاشاعة واستغلت الأجواء لدرجة أن الكثيرين أحسوا وكأن الدولة غائبة أو ضعيفة أو فاقدة لارادتها، هذه الفئات التي لم تشارك في بناء الدولة ولم تسهر ولم ترع ولم تبذل جهداً تسربت من شقوق غياب تطبيق القانون..لهؤلاء سمعنا الملك يقول « لا يا اخوان..الأردن قوي وقادر.نعم قوى بإرادة أبنائه وقادر بمؤسساته على فرض سيادة القانون»..
حين تحدث الملك في هذه النقطة كان التصفيق قد اشتعل فالجميع يشكون هذه الظاهرة ويريدون التخلص منها..لقد صحح الملك في خطابه مفاهيم عديدة لها علاقة بأسباب العنف الاجتماعي حين قال إن ثقافتنا وبيئتنا العشائرية الأصلية لا تقبل العنف..وهذا مصدر قوتنا..قال ذلك في وجه من أرادوا الصاق العنف بجذور المجتمع الأردني أو من أرادوا الابتعاد عن التشخيص الحقيقي لأسباب العنف وأبرزها غياب العدالة وغياب تكافؤ الفرص وتجاوز القانون والاعتداء عليه..
إن مسألة تجاوز القانون أو أخذه باليد أو تطاول مراكز القوى أو المتنفذين او حتى العابثين عليه سيترك أعراضاً خطيرة على كل فئات المجتمع بلا استثناء وأولها فئة الشباب ولذا حذر من ذلك وقال (لا يمكن أن يكون مستقبل شبابنا رهينة للعنف فمستقبلهم مستقبل الأردن يجب أن تحقق العدالة في كل المحافظات والدولة هي الجهة المختصة بذلك»..
لقد أفرز غياب تطبيق القوانين أشكالاً من الانفلات وسبب ذلك تعطل في أدوات القضاء وابطاء في المحاكمات وعدم مثول المحكوم عليهم في المحاكم حتى وصلت القضايا أكثر من (26) ألف قضية فكيف هذا؟ وكيف يجرؤ المطلوب والمحكوم أن لا يحضر؟ ومن يحميه؟ وكيف يجرؤ في حضور القانون وفعاليته أن تغتال الشخصيات العامة بالاشاعات والتشكيك وعبر وسائل اعلام غير مسؤولة، كما كيف يجرؤ من يعتدوا على ممتكلات الدولة أو يعبثوا بالمال العام عن طريق تحطيم مقتنيات الجامعات أن يكونوا بعيدين عن العقوبة؟..
لقد حاول البعض أن يشكك في مسيرة الاصلاح منذ يومها الأول إما لجهل وعدم قدرة على الفهم والتفسير أو لمصالح خاصة وهذا البعض عكس مواقفه في جملة المناكفات السياسية والحزبية والاجتماعية الضيقة التي ظلت تطفو ونراها وهذا في رأي الملك مسألة طبيعية لا يجوز أن تخيف الغالبية العظمى او تحبطها او تنال من عزيمتها ولذا دعى إلى عدم السكوت في وجه هؤلاء أو مهادنتهم..
استنكر الملك بعض المظاهر التي تقع من عنف وتجاوز على الأعراف والتقاليد والمؤسسية وقال « مش هذا المجتمع الأردني» ودعى إلى رص الصفوف وعدم التذرع بالهويات الفرعية والجهوية والعائلية لأن الانسياق وراء ذلك يفقد المواطن ثقته بالدولة وبسيادة القانون ويدفعه إلى أخذ حقه بيده..
ويرى الملك ان الحل هو في تطبيق القانون وازاحة كل من يعيق ذلك أشخاصاً أو عوامل ومعاقبة الفاعلين وبالتالي معالجة الظاهرة من جذورها واسبابها الدافعة..
ولأن القانون هو الذي يميز الدولة الحديثة ويمكن مؤسساتها من العمل فإن تطبيقه منوط بالدولة فقط وهي جهة الاختصاص وليس أي جهة أخرى واستنكاف الدولة واسترخائها هو الذي يصنع كل المظاهر التي نشكو منها من عنف وفوضى واضطراب وغياب عدالة وتنمية وهتراء للنسيج الاجتماعي..
alhattabsultan@gmail.com