مرت 6 سنوات على سيطرة حركة ‘حماس’ بالقوة المسلحة في انقلاب دموي على قطاع غزة، سنوات يعتبرها كل وطني هي سنوات عجاف سياسي حقيقي للقضية الفلسطينية، ليس بسبب حماس وحدها، لكنه بأثر فعلتها ‘السوداء’، واختباء كل متآمر أو متواطئ على القضية الوطنية خلف ذلك الانقلاب، ولذا كان صوابا تماما وصف الانقسام وآثاره بـ’النكبة الفلسطينية الثانية – النكبة الصغرى’، وطبعا لا ضير من اعتبارها ‘وكسة سياسية’ قياسا لنكسة حرب عام 1967، وبعد سنوات الحكم بالقوة القهرية، لا يمكن لحركة ‘حماس’ أن تفتخر بما فعلت، بل لو أنها حركة جادة ومسؤولة لقدمت ‘كشف حساب’ لتلك السنوات، تعلن للشعب الفلسطيني نتيجة ما أقدمت عليه، والى أين وصل الحال الفلسطيني العام، بل وحال ‘حماس’ نفسها..
ولتبدأ بسؤال اي مشهد فلسطيني أفضل، ما قبل الانقلاب أم بعده، للقضية الوطنية، وشعب فلسطين ولمشهد حماس، ففلسطين اليوم تعيش واحدة من صفحات سوداء، المؤامرة الكبرى تحقق تقدما متتاليا لسحب رصيد نتائج الثورة المعاصرة، وبروز ملامح تقسيم ‘بقايا الوطن’ في سياق مشروع ‘التقاسم الوظيفي الجغرافي’، ببعض الضفة و’امارة غزة’، فيما حركة الفعل المقاوم والمواجهة للإحتلال في أدنى ‘منسوبها الوطني’، وتصل في حالات الى درجة العدم، بقرار فلسطيني رسمي من طرفي المعادلة المسيطرة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالمواجهة الشعبية في الضفة محاصرة بقرار ‘رئاسي’ وتعاظم درجة ‘التنسيق الأمني’، ولم يكن مخطئا أحد قيادات فتح، نبيل شعث، عندما قال أن ‘السلطة الوطنية تصرف لحماية أمن إسرائيل أكثر مما تصرف على التعليم’، عبارة تكثف مظهر ‘الفضيحة’، خاصة وأنه يأتي في زمن انتشار التهويد والاستيطان..
بينما حركة حماس تعمل كل جهدا لوقف المقاومة والمواجهة من قطاع غزة، وايضا من خلال ‘تنسيق أمني’ خاص بينها ودولة الاحتلال، سواء مباشرة عبر المنطقة الأمنية العازلة على طول الحدود، أو من خلال ‘وسيط عربي أو اقليمي’ يقوم كمنسق بينهما يماثل دور المنسق الأمريكي في الضفة الغربية، ولو أردات أن تتحدث عن حرب 2008- 2009 والحرب الأخيرة، فهي لم تكن صاحبة المبادرة، ولم تأت كفعل مقاوم، بل جاءت لأن دولة الاحتلال من قام بها لحسابات سياسية خاصة، بعضها محلي وآخر مرتبط بالوضع الاقليمي، وسيأتي يوم تظهر به كثير من حقائق تلك الحروب، ومع ذلك فالمواجهة البطولية للحربين أنتجت كوارث سياسية واقتصادية – اجتماعية لا تزال قائمة حتى تاريحه، بل أن حماس دفعت ثمنا سياسيا يشكل وصمة عار باتفاها الأخير المسمى اتفاق التهدئة مع دولة الاحتلال..
تراجعت حماس في كل ما كان يعتبر عند المواطن العربي ‘ميزة لها’.. فالمقاومة باتت اثرا بعد عين، ويمكن وصفها بفلول المقاومة ليس الا، بينما اختلت تحالفاتها السياسية بطريقة مثيرة جدا، كان أبرزها انتقال مركز قيادتها السياسي من دمشق الى قطر، بكل ما يحمله هذا الانتقال من علامات سياسية مثيرة، فلا يمكن أن تستقيم دعوات حماس للمقاومة والجهاد ومعاداة المشروع الأمريكي الصهيوني ورئيسها يقيم بجوار أخطر قواعد أمنية عسكرية متآمرة على المنطقة العربية، وهنا نفترض ‘حسن النية’ بأنهم لا زالوا يرون في القواعد الأمريكية خطرا، وليس انقلابهم ايضا على هذا التعريف الذي يغضب القرضاوي وأمثاله من الخاضعين لأمريكا نفوذا ومشروعا..
وارتبكت علاقاتها بأيران ليس كرفض لمشروع فارسي يريد الهيمنة، بل انطلاقا من استطقاب جديد أراده فريق المحور الامريكي العربي التركي، انقلاب لحسابات ضيقة ضمن اعتقاد انصار ‘الاسلام السياسي’ أنها فرصتهم التاريخية بمساعدة أميركا لخطف الحكم، كما خطفت حماس قطاع غزة برضا أمريكي – اسرائيلي وبتنسيق قطري..ولعل الخسارة الأكبر ليست في فقدان مال ايران فذلك يمكن أن تعوضه خزائن الدوحة، ولكن العلاقة مع حزب الله الذي فتح لها باب لبنان واسعا في زمن التحالف الخاص، لمواجهة نفوذ منظمة التحرير وحركة فتح، في سياق الوهم الايراني السوري آنذاك بخلق بديل أو مواز للتمثيل الفلسطيني، لكن دخول حماس بشكل أو بآخر في أزمة سوريا، وهي مسألة تحتاج لنقاش أكثر شمولية، أدى لفقدانها ركيزة هامة من ركائزها التي انطلقت منها للحضور العربي العام، خاصة وأن حزب الله حقق حضورا شعبيا عربيا هائلا بعد الانسحاب الاسرائيلي من لبنان ثم حرب تموز 2006، بكل ما لها وعليها، وعلاقة حزب الله بالمشروع الايراني، لكن حماس استغلت ذلك لتحقيق مكاسب مباشرة..
ولكن هناك خسائر لا تزال حماس لم ترها بالشكل الكافي، علاقتها بالجمهور العربي، فهي بعد قدمت نفسها كحركة مقاومة فلسطينية، حازت على قبول شعبي كبير، على حساب شعبية حركة فتح بل ومنظمة التحرير، عادت اليوم لتصبح في نظر غالبية شعوب العرب بأنها جزء من نظام ‘ الاسلام السياسي’، بل ما هو أخطر النظر اليها وكأنها الأداة التنفيذية له، وشواهد مصر وسوريا عديدة، ربما قيادة حماس لا تزال تعيش في حالة لا وعي لهذا المشهد نتيجة لاعتقادها أن حكم مصر وتونس وتركيا ودور قطر كاف لتحقيق فوز مشروع ‘الاسلام السياسي’، ولكن ما سيأتي لاحقا سيكون ثمنه باهضا جدا لحماس والقضية الفلسطينية، فانحسار المشروع الاستعماري التقسيمي الأمريكي، سيلحق هزيمة بـ’محور الشر’ الأطلسي التركي وبعض عربهم’..
حماس تعيش في ‘دوامة سياسية’ لن تكون نتائجها السلبية عليها وحدها، لكنها ستطال القضية الفلسطينية برمتها، لو لم تسارع بالتدارك وتعيد قراءة الأحداث بطريقة مختلفة دون الحسابات الصغيرة والضيقة، فما سيكون لن يحميه ‘نفوذ بلدة لا مستقبل لها’ ودول بدأت تهتز تحت وقائع جديدة.. لا خيار لحماس سوى العودة للحضن الوطني والتخلي عن كل ما هو انقسامي عصبوي.. قليل من الحكمة قد تقدم كثير من الفائدة لوطن ولفصيل تاه عبر غرور وغطرسة مسلحة حمتها أطراف لحسابات تصفية القضة الوطنية!
ملاحظة: داعية سعودي كلما يريد أن يتحدث عن ‘الجهاد’ في سوريا و’الخلافة الاسلامية’ يسافر الى القاهرة.. طيب ليش حضرة الداعية العريفي ما يقول هالحكي من جامع بالرياض أو مكة او مدينة سعودية!
تنويه خاص: اردوغان وفريقه تحدثوا كثيرا عن ‘المؤامرة الخارجية’..الغريب ان رئيس الموساد موجود بأنقرة، والمخابرات الأمريكية متوفرة بكثرة..عهيك من هم أطراف هالمؤامرة..صحيح العناد أول خطوة للرحيل!