أخبار تطورات الحرب الدائرة في سوريا، يتلقاها الأردنيون بكثير من القلق على نتائجها على سوريا وعلى المنطقة كلها، وخاصة بعد تدمير القصير وقراها من ريف حمص، ودحر الجيش الحر فيها، وما يعنيه ذلك من احتمال تكرار مثل هذه المواجهات في كل مكان كانت المقاومة قد كسبت أرضا، فيه. ماذا يعني ذلك؟ ثم كيف ستكون المنطقة كلها، عندما تنتهي تلك الحرب، أيا كان المنتصر فيها؟ هل سيبقى الصراع محصورا في سوريا الداخل، أم سيصيبنا طفحه؟ وكيف؟
من الواضح أننا لن نستطيع الوصول لإجابات شافية، ما لم نأخذ بالحسبان أمورا صارت مسلمات في طبيعة تلك الحرب، وما لم ندرس ما تطور، فيها، من ديناميات خاصة بها صارت تعمل، الآن، بتلقائية كاملة
فهي، بداية، ليست حربا داخلية، بحسب تعريف الحرب الداخلية في القانون الدولي العام، التي تنشب بين خصمين وطنيين، بالمعنى القانوني للمصطلح، أو بين ثوار ونظامهم السياسي الذي يعملون على إسقاطه، بحجة أو بأخرى؛ بل هي، كما يعلن الواقع عن نفسه، في ساحات القتال، حرب طائفية بامتياز، يقف، فيها، على خط المواجهة الأمامي العابر للحدود، مقاتلون شيعة إيرانيون وعراقيون وسوريون ولبنانيون، ضد عرب سوريين سنة، يحتشد، وراءهم، وبدون موافقتهم، مقاتلون جهاديون سلفيون، ومن منتسبي القاعدة الدولية القادمين من كل بلاد الدنيا، داخل منطقتنا وخارجها.
هي، بهذه الصورة، حرب إقليمية، أو بالأحرى، حرب دولية تستعر على الساحات السورية لتحقيق أهداف تتجاوز سوريا وربما المنطقة كلها. ولذلك فإن أولى نتائجها المؤكدة ستكون تدمير سوريا؛ وربما تقسيمها إلى دويلات. هذا الهدف يخدم مصلحة إيران وصراعاتها في المنطقة؛ كما يخدم سياسات روسيا الاتحادية العائدة للمنطقة بقوة تذكرنا بسياسات الحرب الباردة. غني عن القول، هنا، أن إسرائيل، وبضرورة عقائدياتها الصهيونية، ستكون المستفيد الأول. فسوريا دولة عدوة لها، وإخراجها من ساحات الصراع، كما فعلت، سابقا، مع كل من مصر والعراق، هدف من أهدافها الاستراتيجية.
ولأنها ستكون حربا طويلة ممتدة لتحقيق كامل أغراضها الهجينة، فإنه سيكون من أولى نتائجها قيام بعض استحالات، مثل قيام نظام ديمقراطي علماني في سوريا؛ أو قيام خلافة إسلامية في المنطقة؛ أو عودة نظام الأسد لما كان عليه سنة2011 من هدوء وسيطرة. مثل هذه أهداف يتجاوزها الوضع الراهن لصالح فوضى ضاربة أطنابها في الداخل السوري، ومحاولات تسريب تلك الفوضى لدول الجوار، كما نرى بوادرها في لبنان؛ ومدها، بكل تأكيد، للنيل منا هنا في المملكة الأردنية الهاشمية.
ومن المسلمات، التي لا بد من احتسابنا لها، أننا، في الأردن، وعلى الرغم من كل اهتمامنا وقلقنا، لا نستطيع التصدي لمنع امتداد الفوضى في المنطقة، لكننا نستطيع، بالتأكيد، منع اختراقها لحدودنا. نستطيع، من الآن، مثلا، أن نغلق بواباتنا أمام موجات اللاجئين الذين يبدو أنهم يُدفعون دفعا للجوء إلينا؛ وأن نتعامل بقسوة مانعة للعملاء، أيا كان مستخدمهم، من محاولاتهم التسلل إلى أرضنا، بما يكاد يكون عملا منظما ومخططا له.
وإذا كان لا بد من فتح الحدود للتعامل مع مثل هذا الوضع فيجب أن يكون ذلك نتيجة مشاركة دولية فاعلة لا يتحمل فيها الأردن أي عبء إضافي على موارده أو بيئته.