د.فايز رشيد/الطائفية والمذهبية البغيضة….. إلى متى؟

المراقب للوضع العربي الحالي يذهل من الاوضاع العربية، ان من حيث درجة السوء التي هي عليه، أو من حيث جدية الأخطار التي تهدد وحدة النسيج الاجتماعي العربي في المستقبل القريب، في العديد من الدول العربية، وامكانية انتقال عدواها لدول عربية جديدة. درجة الخطورة لا تكمن في الانغلاق الشديد للقطرية العربية من اجل حماية الذات، فقط، وانما فيما اصاب الأمة العربية بمكوناتها الشعبية من مظاهر جديدة غريبة عن حضارة التاريخ، وتراث المنطقة وعن الشعوب، باعتبار هذه المظاهر: طارئة عليه. كمثل شديد الخطورة على هذه المظاهر: هو الصراع الطائفي والمذهبي والإثني، الذي بدأ ينخر في الجسد الشعبي العربي والآخذ في التمثل في صراعات تناحرية على حساب صراعات اخرى، من المفترض أن تكون هي الاساسية، التناحرية، التناقضية الرئيسية، كالصراع مع العدو الصهيوني. وأيضا على حساب صراعات أخرى، كالصراع مع استهدافات عموم المنطقة لإفراغها من محتواها التاريخي وسماتها الرئيسية المرتبطة بالتاريخ والحضارة العربية، كالاستهداف الطامح إلى تحويل المنطقة إلى شرق أوسط جديد أو كبير تكون اسرائيل فيه، ليست القوة الرئيسية فحسب وانما المكون الأساسي من مكوناتها التاريخية والحضارية، المهيمنة على المنطقة ليس سياسيًّا فحسب وانما اقتصاديا وتقريرا في الأحداث الجارية فيها. مثل أيضا على الصراعات المفترضة، الصراع ضد الاستهداف الطامح إلى تفتيت الدولة القطرية العربية إلى دويلات طائفية ومذهبية واثنية، متنازعة فيما بينها ومتحاربة مستقبلا.
العلة والاسباب والخلل لا تكمن في النظام الرسمي العربي فقط، ولا في جامعة الدول العربية التي هي ممثل يعكس التناقضات والأحوال العربية، فقط، وانما أيضا في الاستجابة الجماهيرية لأن تتمظهر فيها التناقضات المذهبية والطائفية والاثنية، فتراها منغمسة في هذه الصراعات دون أن تتساءل: لا عن أسبابها ولا عن استهدافاتها ولا عما ستؤول إليه، وإلى ماذا ستؤدي بالشعوب وبالأطروحات والأهداف الجماهيرية التي كانت على لسان الفرد العربي حتى عقود قليلة ماضية: كالوحدة العربية، والتكامل العربي، ووحدة المعاناة والمصير المشترك. وهي اهداف صحيحة ذات آمال عريضة قادرة فيما لو تحققت على الإجابة عن كثير من الآمال والأهداف والتساؤلات الجماهيرية الشعبية العربية، كأسئلة الديموقراطية وتحسين الظروف الحياتية، والمحافظة على كرامة الفرد العربي في كل مواقعه، باختصار: احترام الذات العربية. للأسف يرافق هذه الظاهرة غياب شبه مطلق للأحزاب البينية العربية على المستوى القومي، وتقصير في عمل الأحزاب الوطنية على المستوى القطري للتأسيس للصيغ القومية. الحصيلة: افتقاد وتآكل متدرج للصيغ القومية الفاعلة، اللهم الا من صيغ قديمة لا تتناسب بصيغها التنظيمية، ولا برؤاها المستقبلية، ولا بأساليب عملها مع المهمات ومجابهة التحديات والمخاطر المحدقة والمتربصة.
جاء ما سمي بـ “الربيع العربي” ليصاعد من درجة تفاؤل الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، ثم ما لبث أن تمت مصادرته من قبل قوى تحاول ارجاع التاريخ إلى الوراء. لا تؤمن بالصيغ القومية بل تدعو إلى تنظيم عالمي لأداتها التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى العودة بالطرح الجمعي القومي العربي عقودا إلى الوراء. وساهم في تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية في الوطن العربي وزيادة حدة تناقضاتها. الامثلة كثيرة على صحة ما نقول هو ما جرى في العراق، وما يجري في العديد من البلدان العربية حاليا. انفصال الجنوب السوداني عن السودان، الجزائر، مصر، سوريا وغيرها حيث تحولت ـ أو الأدق تعبيرا، في طريقها إلى التحول ـ الأهداف الوطنية إلى صراع طائفي. هكذا أريد له ويراد له ان يكون.
للأسف: الحراكات الجماهيرية العربية لم تكتمل بمشاركة الأحزاب والحركات والجماعات الوطنية التقدمية الديموقراطية، القومية، التي ترى الصراعات على حقيقتها سواء في بلدانها أو على المستوى العربي. القوى التي تسلمت الحكم في بلدان “الربيع العربي ” حرصت ولا تزال على ابعاد هذه الأخيرة عن التأثير في قرارات بلدانها من خلال تفردها هي بالحكم واستئثارها به، وحرصها على استعمال الحلول الأمنية فيما يتعلق بتلك القوى. من جهة ثانية، فإن هذه القوى لم تستطع السير بالحراكات الجماهيرية في بلدانها إلى نهاية أشواطها، وبالتالي عجزت عن تحقيق مكاسب لها لا على المستويين الوطني والقومي. فهي لم تستشرف قيام هذه الحراكات، ولم تضع برامج ـ لا حالية ولا مستقبلية ـ على جدول اعمالها، ولم تجد صيغة موحدة لجهودها ولو بالمعنى المرحلي، لا أثناء الحراكات ولا بعدها. وعند اللجوء إلى الانتخابات اعتمد الآخرون على خطابهم الديني و الذي نسوه وتناسوه فور صدور النتائج. حتى فيما يتعلق بالموقف من اسرائيل قاموا بتغيير وجهات نظرهم من المطالبة بالإزالة إلى التعامل الواقعي ـ وفق وجهة نظرهم ـ والتعايش معها!.
في أسباب الظاهرة المعنية حتما ستتعدد الآراء والاجتهادات. لا ننكر نظرية المؤامرة ـ خارجية بالتعاون مع دوائر داخلية ـ لكن المؤامرة لا يجب أن تظل الشماعة التي نعلق عليها كل تقصيراتنا واخفاقاتنا وعجزنا. نحن مقصرون. أحزابنا لم تقدم مراجعة شاملة لمسيرة كل حزب فيها، ولم تذكر أين مواقع الخلل في أدائها وفي أساليب عملها، وفي رؤاها ولم تتعامل مع الأحداث كرديف مواز لها يشبعها تحليلا واستنتجات ومهمات عمل مستقبلية. ومن ثم النزول إلى الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في مجابهة الاستهدافات الداخلية والخارجية هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم تستطع مع القوى الأخرى ايجاد صيغ عمل جماعية وتوحيد الشعارات، المطلبية الآنية، السياسية التكتيكية، فما بال الاستراتيجية؟. من الأسباب أيضا الإلهاء للمواطن العربي بمسؤوليات الحياة اليومية، الأمر الذي ساهم في ابعاد المواطن نسبيًّا عن حياته السياسية.هذا موضوع ذو حدين فعند تفاقمه سيؤدي حتما إلى الانفجار.
فيما ستؤدي إليه الصراعات الطائفية والمذهبية المتصاعدة في الوطن العربي ستؤدي إلى ظواهر سلبية كثيرة، ذكرنا بعضا منها وسنذكر واحدة من أبرزها واخطرها: تؤدي إلى عمى الألوان في رؤية الحدث! تصوروا أنه في عام 2006 عندما كان العدوان الغادر على لبنان أفتى البعض من المسلمين: “بجواز تأييد اسرائيل في عدوانها من أجل كسر شوكة الشيعة وخطرهم في العالم العربي”. نفس الفتاوى تكررت حديثا عند القصف الصهيوني الأخير على سوريا، أفتى البعض بجواز الابتهاج والفرح بالقصف الصهيوني لبلد عربي مسلم، أيضا تحت نفس الحجج. تصوروا ما وصلنا إليه من رداءة أحوال!؟. يبقى القول: إنه وفي حالة استمرار هذه الصراعات الطائفية والمذهبية والاثنية .. سيكون ذلك المسمار الأخير في سقوط الأمة العربية إلى الحضيض.

د. فايز رشيد* * كاتب فلسطيني

Related posts

اللي استحوا ماتوا* فارعة السقاف

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني