منذ أن اعترف وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأن بلاده تأخرت في معالجة الأزمة السورية، بدا اكيداً أن إدارة الرئيس باراك أوباما التي هددت وتوعدت وطالبت برحيل النظام في دمشق كانت تسوّق اوهاماً. ومع هذه الأوهام الأميركية في شأن حقوق الإنسان والتعددية والديموقراطية كان الجسد السوري يتعرض إلى مزيد من التمزيق على نحو باتت إعادة لصق الأجزاء المتناثرة منه شبه مستحيلة في المستقبل المنظور.
وعندما حاولت إدارة أوباما، في ولايتها الثانية ومع كيري بالذات، أن تهتم بشؤون منطقتنا، سجلت الفشل المدوي في فرض تراجع على الموقف الروسي المتعسف في الأزمة السورية وفي فرض تراجع على بنيامين نتانياهو لإطلاق عملية السلام. حتى يمكن التساؤل عن الرغبة الفعلية لدى الإدارة الأميركية في توفير الظروف الملائمة لتغيير الواقع الحالي. خصوصاً بعدما نجحت في لجم الاندفاعة الفرنسية والبريطانية نحو تسليح فصائل معارضة سورية، وفي ممارسة ضغوط كبيرة على دول إقليمية من أجل أن تحد من دعمها لهذه المعارضة. ومع عودة الكلام مجدداً في واشنطن عن إعادة طرح تسليح المعارضة على جدول أعمال البيت الأبيض، يمكن التساؤل ايضاً عن هدف هذه «الحقنة» الجديدة من «التخدير» للوضع الراهن.
لقد قرر الرئيس السابق جورج بوش الابن غزو العراق استناداً الى نظرية المحافظين الجدد واللوبي اليهودي والتي ترى ضرورة ضرب الاسلام السنّي في عقر داره، بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر). وكما تأكد لاحقاً قطفت إيران الشيعية ثمرة حروب أميركا في أفغانستان اولاً ومن ثم في العراق وعمليات «مكافحة الإرهاب».
والموقف الأميركي الحالي من تسليح المعارضة السورية يستند الى انتمائها الطائفي اولاً، أي إلى كونها سنّية والى انها قد تتصل بالمجموعات الإرهابية التي لا تزال أميركا تعتبر نفسها في حال مطاردة لها، رغم إعلان الرئيس أوباما ضرورة إنهاء الحرب على الإرهاب.
هكذا يظل الموقف السياسي الأميركي، في ظل الإدارة الديموقراطية، منبثقاً عن الجذر نفسه الذي استندت إليه الإدارة السابقة في غزو العراق، وتالياً تحقيق الغلبة لإيران وإسرائيل.
والتدقيق في الموقف الإسرائيلي حالياً يظهر مشاركته للهواجس الإيرانية والأميركية في شأن سيطرة الغالبية السنّية على الحكم في سورية. وهو ما تتشارك فيه ايضاً موسكو التي تعلن من دون مواربة خشيتها من ان يكون سقوط النظام الحالي في دمشق دافعاً لإعادة تحريك الجبهات المتشددة داخل روسيا الاتحادية أو على أطرافها.
في هذا المعنى، تتجاوز حصيلة المعارك في سورية، وهي المرتبطة بنوعية التسليح للمعارضة ومدى امتداد سيطرتها على الأرض، مجرد مفاوضات في جنيف من أجل تغيير للنظام، أو مجرد حماية هذا الموقع على الارض او ذاك، لتطاول تغيراً استراتيجياً يهم اساساً الحليف الأول المعلن لأميركا في المنطقة أي اسرائيل، كما يهم اساساً ايضاً الخصم الأول المعلن في المنطقة لأميركا أي إيران. لينفتح الوضع السوري، في الحسابات الأميركية، على عدد من القضايا المتشابكة قد لا تكون من اولوياتها وقف المقتلة والدمار والتمزق في سورية.
وكم تبدو كبيرة، في إطار هذه الحسابات، حملة النفاق الأميركية في شأن «اكتشاف» مشاركة «حزب الله» وإيران في القتال في سورية، لمناسبة حسم معركة القصير. لقد أعلن الحزب منذ شهور، على لسان كل قادته في لبنان وايران، انه يشارك في هذا القتال، لكن إدارة أوباما لم ترغب في التصديق لأن لذلك موجبات ميدانية، ومنها دعم المعارضة… ولا شيء يظهر الآن أن أميركا اعادت النظر في استراتجيتها، مع إدراج التسليح في جدول أعمال البيت الأبيض.