عبدالله اسكندر/الخليج العربي و «حزب الله»

مرة جديدة أخطأ «حزب الله» علناً بحسابه الموقف الخليجي منه على العلاقة بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة. ليس الخطأ في قراءة علاقة خاصة بين دول المجلس وأميركا، وهي علاقة قديمة تتناول السياسة والمصالح الحيوية، وإنما الخطأ -الذي ربما يكون مقصوداً- يكمن في جذر المشكلة بين حزب يعلن تمثيله للشيعة وارتباطه العضوي بإيران وعلاقته الاستراتيجية بالنظام السوري، وبين هذه الدول ذات الغالبية السنية والمشتبكة مع ايران والمناهضة للنظام السوري.
ويكون «حزب الله»، بإغفاله هذا الجانب الأساسي من صورته الحالية لدى الرأي العام العربي عموماً والخليجي خصوصاً، يعرّض العلاقة السنية-الشيعية المتزايدة التدهور إلى نقطة اللارجوع. علماً أن النوازع التكفيرية المتبادلة لا تحتاج إلى أكثر من الشحن المذهبي الحالي لتنفجر الانفجار الكبير.
لا حاجة للعودة إلى تاريخ تأسيس الحزب ومرجعيته الفقهية وآرائه في السياسة والحكم من أجل تحديد مسؤوليته في الموقف الخليجي منه. يعلن الحزب بكل السبل الممكنة، أنه حزب شيعي بكل ما في اللاوعي الشيعي، وصورته لدى الآخرين، من علاقة سلبية مع المؤسسة السنّية على مدى التاريخ. وعملت الثورة الخمينية على إخراج الشيعة من اوطانهم ودولهم. وشكل «حزب الله» النموذج «الناجح» لهذا الخروج، لأسباب ترتبط بالبقعة الجغرافية التي نشأ فيها والدور السوري في حمايته، في حين ظهرت نماذج أخرى «فاشلة» في الخليج. ولا يتردد مسؤولون خليجيون من ربط هذه النماذج الفاشلة مع شبكات إيرانية. ما ألصق بالشيعي صورة الخارج على وطنه ودولته والمرتبط بدولة غير عربية تسعى من أجل مصالحها إلى ضرب استقرار الخليج.
كان يُفترض بـ «حزب الله» أن يعمل على تغيير هذه الصورة التي تقوّض العلاقة المواطنية، مهما كانت النيات. خصوصاً انه لم يتوقف عن ترداد أنه يتجاوز الانقسامات المذهبية، وأنه يسعى إلى الحوار بين المذاهب. لكن الأهم من هذه كون الحزب نشأ في بيئة لبنانية متعددة دينياً ومذهبياً، بما كان يفترض أن يخلق لديه حساسية خاصة إزاء صورته لدى الآخرين.
لقد بدا أن الحزب، خصوصاً منذ 2005، لم يعد مهتماً بصورته كجماعة تقاوم الاحتلال الإسرائيلي لأرض لبنانية. وإنما اهتم بتعزيز صورته كجماعة شيعية مرتبطة بإيران، خصوصاً عندما أراد أن يرد على منتقدي تبعيته السياسية. لا أحد يعترض على اختيار مرجعية دينية ما، ما دام الأمر يبقى ضمن حدود الولاء للوطن ودولته، لكن المشكلة هي في أن تتحول المرجعية ولاء سياسياً لخارج الدولة والوطن. وفي هذا الصدد يمكن التذكير بتجربة الإمام اللبناني الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين في بلدان الخليج العربي، حيث كانت نصيحته لأبناء طائفته الشيعية التمسك بالولاء لوطنهم، وقام بأكثر من وساطة لدرء مخاطر «استيراد» الثورة الإيرانية.
على النقيض من ذلك، يلعب «حزب الله» دور المحرض للمواطنين الشيعة في بلدان الخليج على الخروج على الوطن والدولة، إضافة إلى الاشتباه بكونه يقوم بتدريب عسكري لعناصر منهم. وجاءت مشاركته في الحرب السورية والدوافع التي يقدمها لتبرير هذه المشاركة، لتعطيه صورة الميليشيا الطائفية العابرة للأوطان بامتياز… وفي هذا المعنى، قد تنسحب إجراءات ضد مصالح الحزب هدد بها مجلس التعاون على الشيعة في دول الخليج، والأخطر من ذلك، ما قيل عن أن الحزب «كشف حقيقته»، بما يؤكد الصورة التي أراد أن يعطيها لنفسه وللشيعة في هذه المرحلة الملتهبة في المنطقة

Related posts

اللي استحوا ماتوا* فارعة السقاف

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني