عروبة الإخباري – رأت القاصة جميلة عمايرة أن الشاعر جميل أبو صبيح في “سرديات شعرية” له تجربة غنية في قصيدة النثر، بلغة تعتمد التكثيف والإيجاز السردي في القص مع الصورة الشعرية أو التخيل الشعري الذي يكتب به الشاعر.
وأشارت إلى أنه استطاع بهذه التقنية السردية أن يكتب في أكثر من سردية بقضايا تمس الحياة اليومية للكائن وتداخلاته وعلاقاته وبقضايا سياسية/ وطنية واجتماعية.
وأضافت عمايرة في الأمسية الشعرية التي أقيمت أول من أمس في مقر رابطة الكتاب الأردنيين، أن أبو صبيح، اسم شعري متميز، وليس ببعيد عن المشهد الثقافي العربي والشعري منه بوجه الخصوص، مشيرة إلى أنها ليست في صدد معاينة وتتبع تجربة الشاعر الشعرية الثرية، فهذا شأن النقد والنقاد.
وبينت عمايرة أنها تحاول أن تتوقف أمام إنجاز أبو صبيح الشعري والمتمثل في عمله “السردية” أو السرديات، وهي معاينة تعتمد الذائقة، بدءا للدخول في هذه التجربة المتميزة بحق، والحس الشعري العالي للمتلقي، لافتة إلى أنه استفزها كثيرا واستوقفها لتداخله الكبير والبين مع فن وإبداع القصة القصيرة.
ورأت عمايرة أن تجربة الشاعر تعتمد السردية الحكائية بناء ومضمونا في قصيدته، أي أنها تعتمد تداخل فعل القص/ السرد مع الصورة الشعربة، متكئا على مضمون السردية التي يكتبها الشاعر، والتي تتداخل مع القصة كتجنيس إبداعي، لكنه يفترق لصالح التخيل الشعري التي تميز قصيدته هنا.
وأشارت إلى أن القصة القصيرة تعتمد على “المشهد- الحكاية”، وهو ما يوازي بالقطع مع الصورة الشعرية في القصيدة، لافتة إلى أن الصورة الشعرية هنا في السردية، تعتمد الحكاية/ أو الحكائية في متن القصيدة، كأنما هي قصة قصيرة “خالصة”.
ونوهت عمايرة إلى مقطع قصصي من قصيدة السردية “قطار الليل”، الذي يقول فيه الشاعر “القطار المنطلق كسلحفاة سريعة/ من أقصى الجنوب/ بعد الثامنة مساء إلى أقصى الشمال/ حيث الشبابيك بلا زجاج/ والستائر بنات الرياح/ أربعة أصدقاء يمتطون خيول الشعر على المقاعد الخلفية/ ويعبثون بشعر المسافات التي تفيع من القطط السوداء/ يركض خلف الشبابيك”.
وأضافت عمايرة “القارئ يظن نفسه للوهلة الأولى أنه أمام قصة قصيرة مكتملة البناء بعناصر القص/ السردي اللغوي المكثف، مبينة أن الصور الشعرية الغنية التي تسير بهدوء وتصاعد من مقطع إلى المقطع الذي يليه، تميل بالمعنى لصالح قصيدة النثر بالموسيقى واللون “الليل الأسود كقطط سوداء”، بصورة تنفتح إلى مسارب تأويلية غنية.
وتتوقف عمايرة أمام مقطع من “سردية العشق” حيث يقول الشاعر “عاشق بنظارة سوداء/ عاشقة بفستان سردي/ يصعدان درجات السلم/ البيت في حضن غيمة/ والسلم على ألسنة الموج”، منوهة إلى أن القارئ يشعر في هذه الحالة أنه أمام نص قصصي بامتياز، فالشاعر يتحدث عن القطار الذي ينطلق بالليل، فالليل هنا ققط سوداء، ليبيت في حضن غيمة، لنتأمل ذلك البيت وما تتركه الصورة الشعرية له، فيما السلالم ألسنة الموج.
وخلصت عمايرة إلى أن تجربة أبو صبيح الغنية تعتمد على الجملة السردية القصيرة المكثقة المكتنزة بالصور والتخيل والموسيقى، موغلة بالحفر عميقا داخل نسق جملة قصيدة النثر وانفتاحها على تقنيات جديدة تغني هذا النوع من التجربة، وتمنحها غنى في جسد قصيدة النثر العربية، لتستوعب التغييرات والمتغيرات من حولها، ومن حول الكائن الإنساني برمّته.
وقد قرأ الشاعر مجموعة من قصائده منها قصيدة بعنوان :
“ملاك البحر”
“إلى أين يأخذني ضوء البحر
أسير على رؤوس أصابعي على الموج
والقمر يمسك بذراعي
يسحبني إلى شاطئ فضته
ويرتب هالته على مفرقي
من أين تنبع هذه الفضة المتلألئة
من أمواج البحر؟”.
ثم قرأ قصيدة أخرى بعنوان “سردية العشق”: التي تتحدث عن ذلك العاشق صاحب النظارة السوداء
“سردية العشق”
“عاشق بنظارة سوداء
عاشقة بفستان زهري
يصعدان درجات السلم
البيت في حضن غيمة
والسلم على ألسنة الموج
مساء مضي يتسلل بين الغيم
القمر خلف الستائر
يبث أسراره الفضية
وعاشقان..
يصعدان السلم”.
كما قرأ الشاعر قصيدة بعنوان “سردية الأحلام” حيث يسرد تلك الأحلام على سرير حجر ومقعد مكسور بموسيقى طائرة
“سردية الأحلام”
“أتمدد مستلقيا على الرصيف
على سريري الحجري
ومقعدي المكسور
لست نعسانا
وليست بي رغبة للنوم
فقط أريد أن أحلم
أن استغرق بفضائي الخاص
بموسيقاي
بطائري الوردي
صديقي
يقف كالمهر الجاحم
ويفلي ريشه بأناقة”.