تبدأ الأشياء بالفكر وتنتهي إلى التطبيق، والسؤال كيف لنا أن نحول الرؤية الملكية المعكوسة في الورقة النقاشية الرابعة إلى سلوك وممارسة وغلى تدعيم المسيرة الاصلاحية حتى تستوي وتعتدل وتسري في حياتنا العامة..
الرؤية الملكية رؤية فكرية مشتقة من الواقع ومستلهمة للمستقبل فالواقع صعب ومعقد ولا يمكن تطويره والانتقال به إلى أفق أوسع وأرحب وأكثر خلاصاً وايجابية إلا بمثل هذه الرؤية التي يقاسم الملك فيها ما نضج من رؤية كثير من الأردنيين المعنيين والمهمومين بمسيرة الاصلاح..
أدرك الملك قبل الكثيرين أن أي مسيرة اصلاحية أو أفكار تغييرية لا يمكن فرضها بالقوة أو الاملاء وإنما بالقناعة والحوارات المعمقة والمستمرة خاصة حين يغيب الاجماع وتتعدد وجهات النظر عندها لا بد من رؤية جامعة يجسدها تفكير وطني مشرع على التطور والتقدم والشراكة ولذا لا بد أن تسبق الرؤى التطبيق وأن تشكل بوصلة التطبيق وجوهره ومكوناته.. الاسهام الملكي لن يكون وحيداً ولن يحتكر المسيرة الديمقراطية ولن يملي عليها وانما أراد هذا الاسهام أن يكون مطروحاً للنقاش ليشكل مع مختلف الرؤى الوطنية قواسم مشتركة..
تكمن قيمة الرؤية الملكية أنها لا تستعجل افتراض الحقائق ولا تسبق مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي الا بمقدار ما تحمل من اجتهادات تسبق الواقع وتقوده وتهديه وتعمل على تفسيرة والانتقال به..
الرؤية الملكية كما قرأتها تخلصت من عوامل المراوحة والاحباط ومفهوم القسمة والمحاصصة والغرق في مفاهيم خلافية وحاولت أن تبني من التوافق ومن انعقاد المصلحة الوطنية الجامعة.
لا يجوز أن تبقى الرؤية الملكية في الورق والملفات ومحتوى الشبكة العنكبوتية وهي وإن كتبت لتكون اسهاماً وطنياً وقومياً وحتى انسانياً لم يوازينا او يشبهنا في درجة التطور الاجتماعي والاقتصادي الا أنها في الأخير تأتي كرؤية اردنية تعمل على تغيير الواقع بعد أن أبصرته وتعاملت معه وهنا يبدأ دورنا كمفكرين وقادة وإداريين ومشرعين وسياسيين ونواب وأحزاب ونقابات في هضم هذه الرؤية وانزالها الى التشريع والتطبيق والا بقيت مخزوناً فكرياً يضاف إلى الكثير من المخزون السابق الوارد في العديد من المبادرات الأردنية العديدة.. قيمة الفكر أن لا يكون ترفياً وانما أن يكون انقاذياً ومخلصاً خاصة حين تكون الحاجة اليه ماسة وحين يكون علاجاً لأمراض قائمة في الحياة العامة والاحتفاء بهذه الرؤية تأتي من بعدين الأول أنها ملكية ولذا تحوز على توافق كبير خاصة من الأغلبية الوطنية الصامتة أو حتى المتطلعة للتغيير بأسلوب سلمي وعملي وواقعي والثانية انها تأتي من الملك وهو القائد وصاحب القرار الذي يمثل مجموع الملتفين حول الملك ومؤيدوه في رؤيته ولهذا تكتسب الرؤية امكانية اخصابها واثمارها بالتطبيق فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ولذا فإن مغادرة الأوراق الملكية درجة الفكر إلى درجة التطبيق واستلهام المفكرين والمشرعين لها ضرورة كبيرة فمفكري الأمة في تاريخها أو من أجمعت أ توافقت الأمة على تفكيرهم أو رؤيتهم هو ما كان يدفع الأمة للأمام والاستمرارابتداء من الكواكبي ومحمد عبده والأفغاني والحصري وزريق وعبد الناصر والعابدي وغيرهم الكثير.. وقد نكون في درجة من الحظ حين يقدم قائد عربي رؤيته فقد بقينا نفتقر من قادتنا العرب على كثرهم لأفكار ورؤى يقدمونها وتأخذ اطابع الفكري والسياسي كمساهمات مباشرة.. فقد ظل القادة العرب في معظمهم ينأون بأنفسهم عن ذلك أو يستعينون بالمفكرين فيأخذون منهم أو يرفضون.. اليوم الملك هو من يطرح الرؤية المتقدمة والتي تجد توافقاً واسعاً فلنبدأ بالأخذ بها وتوفير الأدوات والمؤسسات لترجمتها ولنتذكر أن الخليفة المأمون بالمعتزلة والمفكرين بني أعظم دولة عربية اسلامية في زمنه حين كان قائداً ومفكراً أو يحترم المفكرين..
alhattabsultan@gmail.com