أخيراً وبعد طول انتظار وتمني تحقق قيام المحكمة الدستورية التي احتضنها مبنى مستقل جرى افتتاحه على يد جلالة الملك في اشارة رمزية لأهمية تحقق هذا الانجاز في حياة الأردنيين..
مضى زمن طويل منذ ناقش أعضاء اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني عام 1990 وقد تشرفت بعضويته، مسألة المحكمة الدستورية التي دعى الميثاق لإقامتها وقد تحقق ذلك أخيراً بعد أكثر من عشرين سنة وكثمرة ومؤشر على تطور الحياة السياسية والعامة الأردنية التي يتوجها انجاز هذه المحكمة الآن كإضافة نوعية ومحطة في مسيرة الأردن الاصلاحية ودورها في صيانة الدستور وتحصين منظومة القيم القائمة على العدالة والنزاهة والحيادية..
ما زلت أذكر تلك الجلسة التي احتدم فيها النقاش حول هذه الفكرة (المحكمة الدستورية) آنذاك.. كان الاستاذ أحمد عبيدات يرأس الجلسة العامة وما زلت احتفظ في الذاكرة بمداخلة الاستاذ طاهر حكمت الذي كان عضو لجنة الميثاق حول نفس الفكرة وشاءت الظروف الآن بعد (23) سنة أن يكون الأستاذ القدير حكمت هو رئيس هذه المحكمة التي استقبل ولادتها واحتضن قيامها واحتفى بها في معية الملك لتقوم في مبناها الجديد وكأنها المولود الذي انتظره طويلاً..
الفكرة انطلقت من عهد الملك الراحل الحسين طيب الله ثراه وقد تضمن الميثاق فقرة تدعو اليها ولكن من آلت اليهم مهمة تنفيذ الميثاق الوطني من حكومات متعاقبة لم ينفذوا الكثير منه بل جرى وضعه في الأدراج شأن كثير من الادارات التي انجزت المشاريع السياسية والفكرية التي اقترحت في الأردن أولاً وفي الأجندة الوطنية وغيرها..ولم يؤخذ من الميثاق الوطني الذي شكل خطوة متقدمة في اسناد الدستور وتوفير المزيد من الآليات لانفاذه وترجمته في الحياة العامة سوى التشريع لقيام الاحزاب وحتى هذه المسألة تعثرت كثيراً في التطبيق وهذا سر تصحر الحياة الأردنية الحزبية لما قبل سنوات قليلة..
كان لزاماً أن يكون هذا الكشاف الساطع وهذه الشرفة التي تسمح للنور والهواء بالعبور إلى حياتنا العامة أن تبنى وتقوم وتدب فيها الحياة، فالمحكمة الدستورية سوف تنظم الكثير من تدفقات التشريع لجهة صوابية التطبيق ولجهة ترسيخ مبدأ احترام سيادة القانون الذي يعزز دولة المؤسسات ويصون حقوق وحريات المواطنين باعتبارها الضمانة والمرجعية الأساس في تكريس مبدأ احترام الدستور وترسيخ الفصل بين السلطات..
سيكون لدينا الآن مرجعيته نحتكم اليها اذ لن يضل المطبقون للدستور والمجتهدون فيه والمحتكمون اليه ما احترموها وتمسكوا بقراراتها والأصل الآن هو تفعيل هذه المحكمة واحترامها واستقلالها وجعل قراراتها سارية بلا حواجز أو تبريرات أو ابطاء أو حتى استعجال.
الآن في بيتنا محكمة دستورية وهي أشبه بالقلب الذي ينظمه فلا ديمقراطية بدون مثل هذه المحكمة ولا شفافية أيضاً بدون الذهاب اليها حين يلتبس الأمر..
سيجد الأردنيون في اروقة هذه المحكمة وقرراراتها ما يؤكد لهم سلامة مسيرتهم الاصلاحية ومدى صوابيتها وسوف تعكس أعمال هذه المحكمة وبشكل شامل ونهائي موقف الدولة الأردنية من مسيرة الاصلاح الديمقراطي والتحديث التي أطلقها الملك عبدالله الثاني حتى قبل الربيع العربي.. سبقتنا دول لمثل هذا الانجاز وتخلفت دول والأصل ليس في السبق أو الالتحاق بمقدار ما يكون اسم المحكمة ودورها لامع ومفعل وقادر إلى ملء الفراغ الذي عانينا منه طويلاً ولم نجد بديلاً له سوى المحكمة الدستورية التي هي عنوان ترسيخ سيادة القانون ودولة المؤسسات..
alhattabsultan@gmail.com