كما نصفق للقضاء الذي تمثله المحاكم والقضاة حين يدين فاسداً أو مجرماً أو معتدياً فإننا نصفق لنفس القضاء حين يبرئ متهماً أو يخلي سبيل مظلوم أو يرفع الظلم والجور عن مواطن ظلمته الدهماء أو أدانته الاشاعات..
كنت مسروراً أمس وأنا أقرأ «وعليه قررت المحكمة اعلان براءته (المقصود أسامة الدباس وزير السياحة الأسبق) لعدم ثبوت ارتكابه غشا، ولم يقصد بأفعاله جر مغنم ذاتي له أو الاضرار بأي فريق أو محاباة فريق آخر أو الا ضرار بالدولة وعليه فإن النيابة عجزت عن اثبات ارتكاب الدباس لأي من الجرائم المسندة اليه»..
هذه صفحة تطوى الآن وأصحابها في ساحة البراءة وقد غسلهم القضاء من كل عيب ودنس واتهام فيما نسب اليهم.. لقد عانينا وما زلنا نعاني ضغط الرأي العام على القضاء وبيئته وعلى متخذي القرار الذين لم يدرك بعضهم أن لعبة التحريض واستثمار الاشاعة وركب موجة الشارع لها أعراض ضارة تفوق أي نفع يمكن أن يحصل من التوظيف فهي كالمنشطات التي تعجب بداية وتتحول إلى خمول وسقوط في النهاية..
هل انتهت موجة التحريض؟ وهل بدأت الرؤوس تبرد ليتحرك القضاء مستقلاً وبأريحية وقدرة على القيام بدوره؟ لقد اختلط الحابل بالنابل في قضية الكازينو؟.. فهناك من أدان الفكرة وسيسها من منطلقات عقائدية ودينية وهؤلاء حاولوا الاصطياد ولم يعبأوا بالعدالة فقد أرادوا حصد كل من فكر أو عمل أو فاوض لمجرد أنها فكرة الكازينو وهؤلاء هم من أثروا على الشارع وأطلقوا العديد من الاشاعات والتهم والبسوها من كانوا مسؤولين عن التعامل مع الفكرة وحين استطاع القضاء بهدوء أن يفكك الملف كله وأن يفند ما جاء به الادعاء العام عن طريق عقول مبصرة من قضاة جعلوا الحقيقة ضالتهم وجدنا كيف يذوب ثلج الاشاعات لتظهر الحقيقة وهي نفس الحالة التي تعلقت بشخصيات ثبت براءتها بعد ادانة مستعجلة أو كيدية أو لم تتوفر للقضاء القدرة على نفي الادعاء فيها وفي السياق جرى تبرئة أمين عمان الأسبق المهندس عمر المعاني وآخرون..
واذا كان ثمة رغبة وأمنية وعمل من أجل تنظيف مجتمعنا من عتاة الفساد ومحاصرة موجاته وتحجيمها وكسرها فإننا بحاجةإلى قضاء هاديء يفكر برؤوس باردة مملوءة بالعلم والعقل والوعي بعيداً عن التوتر والتدخل.. نعم نحن بحاجة إلى اقتلاع رؤوس الفساد وأن تسمى الأشياء بأسمائها وأن لا نستمر في الذهاب إلى المبالغة بأننا بلد فاسد كما روج بعض المسؤولين بوعي أو لأمر في نفس يعقوب أو بجهل واندفاع وتصفية حسابات وضيق عين وشماتة وتعصب وكان هؤلاء قد أسرجوا الاعلام لأهدافهم وقد شاركهم في نفخ الكير نفر لم يتقن المهنة ولم يدرك رسالتها..
نعم نقول الآن والمحكمة تبريء الدباس والمجموعة «يحيا العدل» ونطالب بقدرات أفضل على ميز الغث من السمين..
قد يكون من السهل أن ندين طرفاً لمجرد صدور الاشاعات حيث تميل أغلبية مجتمعنا للادانة أكثر من ميلها إلى البراءة أو الدفاع عن شخص أو قضية وذلك لأسباب تاريخية وثقافية وتراكمية لها علاقة بالاستبداد والقمع والاضطهاد والرغبة في البحث عن ضحايا ولكن من الصعب في مثل هذه الظروف ايجاد البراءة لمن ظلم فذلك تصادم مع مثل هذه القناعات وهذا يحتاج إلى الشجاعة..
نطالب بفتح ملفات من أثبتت المحاكم والقضاء ادانتهم وتوفرت المعطيات والحجج على ذلك فليس عيباً أن نقول أن فلان بريء وأن القضية الفلانية لا أساس لها من الحقيقة ولكن العيب أن نبقي الأمور معلقة أو نعطيها للشارع لتلوث ها الألسنة ويحكم عليها الدهماء..
هل حان وقت العمل الجاد لمحاربة الفساد بعيداً عن ضغط الشارع وفي الغرف الخلفية وأروقة المحاكم وابعاد التدخلات والتسيس ومنع الاعلام المحرض من الصيد هذا ما نراهن عليه في ظل هذه الحكومة التي نعرف حماستها لمحاربة الفساد وخاصة شخص رئيسها
alhattabsultan@gmail.com