هل استرجع الأردن دوره؟ وهل أعاد موضعة جهده وتوجهاته حيث يرغب أن يكون ويشارك؟ أعتقد أن الزيارة الملكية للولايات المتحدة الأمريكية لم تعط ما يليق بها من التعليقات والتحليل وحتى التغطية الصحفية المحلية المكتوبة ولم يكشف عن جوانب هامة منها لم تعد سراً في أنها أعادت وضع الأردن وموضعته على خارطة الاقليم وشبكة العلاقات الدولية.
فالذين راهنوا على تهميش الدور الأردني ومكانته أو التشويش عليه بالاستعداء الداخلي ونبش المشاكل واثقال الأردن بها لم ينجح رهانهم اخيراً وان كان شبه لهم ذلك قبل حوالي أكثر من ستة أشهر حين كان الربيع العربي يبلغ الذروة في عواصفه ولذا أخذت بعض القوى الشامتة والمتربصة والتي تقدم أجندتها على الأجندة الوطنية في بث التشكيك ومحاولة «الحصاد في العقير» كما يقولون.
وضع الأردن الآن غير وضعه بالأمس فهو يحظى بالمكانة اللائقة كشريك مؤكد الشراكة في شبكة العلاقات الدولية بعد أن استرجع الكثير من اسباب هذه الشراكة نتاج استقراره والثقة في مواقفه والرغبة في الشراكة باخلاص..
حين كان النظام السابق في العراق يواجه الاطاحة به اعتقد البعض أن الحبل سيلتوي على العنق الأردنية وأن الأردن الذي ظل ينجو وظل يدمن المشي على الحبل وصناعة التوازنات والقفز في اللحظة الأخيرة لن ينجو ولكنه نجا وقد عادوا يراهنون مرة أخرى أمام الأزمة السورية وخاصة في عامها الأول ولكن الأردن عرف مرة أخرى كيف يتعامل مع هذه الأزمة وكيف ينأى بالنفس في جوانب في حين تحمّل أعباء كثيرة وبادر ولم يقصر في جوانب أخرى..
مرة أخرى يخرج الأردن كطير العنقاء من رماد الأزمات وتعقيدها ويعقد شراكات دولية واضحة وجلية يستطيع شعبه الاطلاع عليها ويضع الاعتبارات الوطنية أولاً ويسعى من أجل تعميقها والدفاع عنها..
كان الرهان أن الأردن ستتجاوزه القضية الفلسطينية أو انها ستحل على حسابه وصمت حين بدأت المزايدات وحين استأنس المشككون وطربوا لأصواتهم وشائعاتهم وقد كثرت سكاكينهم في الجسم والوجدان الوطني باسم الحرص عليه وأصاب التشكيك القيادة واستهدفها ولكن الصبر الأردني واستبدال الخوف والمراوحة وتعاطي الاشاعات بالعمل وتأكيد الدور والقيام به في خدمة الأهداف جاء ليبدد كل ذلك ويعيد انتاج موقف أردني أكثر صلابة ووضوحاً ان على صعيد القضية الفلسطينية أو على صعيد الأزمة أو الكارثة السورية وأصبح الأردن بحكم تجربته وموقعه واستقراره وسياسة نقطة جذب جديدة للعديد من الدول المتنفذة والقادرة والمهتمة بالمنطقة لترى في دوره وحكمة قيادته وتوازن رؤيتها ما يدفع لاعتماد رأيه والتعامل معه بل والتحالف أو التعاقد مما نجم عنه دعم سياسي ومعنوي ومادي رأيناه قبل زيارة الرئيس أوباما وبعدها وها هو الأردن يصعد من جديد وينفض عن نفسه غبار التردد والقلق غير الشرعي ويمضي في دربه الصعب مملوءاً بالايمان بنفسه وأمته وحق شعبه وشعوبها في أن تعيش بكرامة.
قد لا يعجب كلامي البعض وقد يرون فيه تنظيراً أو تفاؤلاً زائداً أو دفاعاً مجانياً عن مواقف واضحة وقد يرون فيه محاولة للتعزية أو كمن يغني وحيداً في الواد ليطمئن نفسه وقد يرى البعض انها قراءة مستعجلة أو رومانسية أو حاجبة لجملة من الحقائق الصعبة والماثلة سواء في تحديات القضية الفلسطينية أو في تداعيات الحريق السوري وارتدادات زلزاله.
ومع هذا كله أراني من موقع الاحساس بتجارب سابقة ومراقبة لمعطيات عديدة أؤكد على تفاؤلي في أننا لن نكون وحيدين ولن نكون بالمقابل بعيدين عن الدفاع عن حق أمتنا في الحرية والكرامة..وأننا بوعي ودراية وخبرة ورؤية قادرون على أن نتدبر المرحلة وأن نكتشف من خلال العمل الدور الذي يؤكد دورنا ويرسخه ويقويه..
ستكون للزيارة الملكية ترجمة حية تؤكد ما أذهب اليه فقد مسحت مرحلة وبدأت هذه الزيارة في كتابة مرحلة..بدأت مرحلة الاقلاع الأردني وقد يعوزنا أن نضع الأحزمة الآن ونحن واثقون مهما كانت المطبات واستعصت الرحلة إلا انها آمنة بما أعددنا وبما فتحنا من شراكات وبما يقدره العالم ودوله القادرة لنا من حرص على الأمن والاستقرار والسلام.
ستكون المرحلة القادمة أيضاً مليئة بالاشاعات ورجم الحجارة فالشجرة الأردنية الآن بدأت تحمل الثمر ولا يملك المشككون الا المزيد من الاشاعات لقذفها فهل ننتبه؟
alhattabsultan@gmail.com