علي بدوان /مِحنَةِ مُخيم سبينة الفلسطيني

مازالت نيران الأزمة الداخلية السورية تلقي بظلالها على عموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، ومازال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا يتألمون على ما يجري في بلد شقيق استضافهم وأحبهم وعاملهم بكل مروءة وكرامة وإحسان معاملة الشقيق للشقيق منذ قدومهم القسري لسوريا عام النكبة 1948.
الفلسطينيون في سوريا، ليسوا بطارئين على البلد، فقد أمسوا جزءاً من نسيج واحد، قبل وبعد النكبة، وقد زادت وحدتهم وغيرتهم على البلد بعد تلك السنوات الطويلة من الإخاء المشترك الوطني السوري الفلسطيني، وفي لهيب الأزمة الداخلية التي تعيشها سوريا. وفي هذا المسار من الأزمة تَعرَضَت معظم التجمعات الفلسطينية لنيران الحقد بالرغم من الموقف العاقل والمسؤول فلسطينياً والمعلن بالحياد الإيجابي، وبالسعي للحفاظ على سوريا. فالفلسطينيون لا يريدون سوى الخير وكل الخير لسوريا ولشعبها وللجميع فيها.
إن معظم المخيمات والتجمعات الفلسطينية باتت عنواناً للإستهداف، وكان أخرها مخيم سبينة للاجئين الفلسطينيين في سوريا والواقع إلى الجنوب من مدينة دمشق، وهو المخيم الثالث الذي تم تهجير كامل سكانه على قوس واسع من محيط مدينة دمشق وحتى إلى لبنان، وقد سبقه في التهجير مخيم درعا، ومن بعده مخيم اليرموك الذي يعتبر التجمع الفلسطيني الأكبر في كل مواقع الشتات، بل ويطلق عليه البعض مسمى عاصمة الشتات الفلسطيني.
مخيم سبينة يقع على مسافة تقارب أربعة عشر كيلومتراً إلى الجنوب من العاصمة دمشق, وقد تم تشييّده عام نكبة فلسطين 1948 على مساحة تقدر بنحو ثلاثة كيلومترات مربعة، وتم توسيع مساحته بعد العام 1967 إثر قدوم موجات جديدة إليه من نازحي هضبة الجولان من سوريين وفلسطينيين كانوا يقطنون في محافظة الجولان.
مخيم سبينة الفلسطيني والمعتمد من قبل وكالة الأونروا، هاجر إليه المئات من العائلات الفلسطينية التي كانت تقيم شمال فلسطين المحتلة عام 1948، وتحديداً من قرى وبلدات قضاء طبرية وقضاء صفد مثل قرى وبلدات : الخالصة، الصالحية، الملاحة، الجاحولة، الزوية، الزوق الفوقا، الزوق التحتا، سرجونيا، وبعض القرى المجاورة أو المطلة على طبرية مثل كفر سبت، الشجرة، شعارة، معذر، ديشوم، كراد الغنامة، كراد البقارة، البطيحة، الحمة، خيام وليد، القديرية، الشمالنة، الرقيبات، عرب العتامنة، منصورة الخيط، يردة، كراد الغنامة، كراد البقارة، السمرة، النقيب العربية، التوافيق، كفرحارب، جسر المجامع، خان الدوير، مداحل المنشية، دفنة، حقاب، الدوارة، بيسمون، العلمانية، تليل، الدرباسية …
كان يقطن المخيم نحو (25) ألف لاجىء فلسطيني حتى بداية العام الجاري 2013، وتشرف عليه وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين العرب في الشرق الأدنى والمعروفة تحت مسمى وكالة الأونروا. التي تقدم لجميع سكان المخيم خدمات الإغاثة الاجتماعية والصحة والتعليم عبر مدارس الوكالة المنتشرة في المخيم، وعبر مختلف برامجها ومنها برامج شبكة الآمان الإجتماعي، وبرامج الشباب.
مخيم سبينة، راية وعلم كبير في مسار ومسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، مخيم الشهداء، الذي أنجب طوابير من الشباب الفلسطيني الملتزم، الذي قدم روحه ودمه بسخاء منقطع النظير على مذبح ومحراب العمل الوطني الفلسطيني، في بوصلة لم تَحِد أبداً عن الطريق لفلسطين.
مخيم سبينة كغيره من المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، كان ومازال
حاملاً لأيقونة الكفاح الأسطوري للشعب الفلسطيني، منتقلاً بها من جيل ما قبل النكبة لأجيال ما بعد النكبة وهي تتبادلها وتورثها من جيل لجيل.
فعلى صعيد العمل الوطني الفلسطيني، فقد كان ومازال لمخيم سبينة الباع الطويل في مسيرة العمل الوطني التحرري للثورة الفلسطينية المعاصرة، خصوصاً إبان تواجدها العسكري الكبير في الساحة الجنوبية اللبنانية وعلى حدود هضبة الجولان بإتجاه فلسطين المحتلة قبل العام 1982.
إلتحق المئات من أبناء المخيم في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة، وكان له نصيب مثل بقية المخيمات من الشهداء من أجل الدفاع عن الثورة الفلسطينية خارج الوطن، وهناك بعض العائلات قدمت أكثر من أربعة شهداء في العائلة الواحدة، مثلاً عائلة (المِعّجِل) التي قدمت أربعة إخوة شهداء مابين أعوام (1966 ـ 1970) وهي سنوات النهوض الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة. وقدمت عائلة (بيت نايف) التي قدمت ثلاثة إخوة شهداء. وعائلة (الشرقي) قدمت الوالد شهيداً في عملية فدائية لحركة فتح وسط هضبة الجولان المحتل عام 1971، والابن الذي استشهد في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثناء اقتحام مستعمرة (كفار جلعادي) شمال فلسطين المحتلة عام 1974، إضافة لاثنين أخرين من أبنائها…. وهكذا.
مخيم سبينة الذي هَجّرت سكانه مؤخراً النيران المندلعة في الأزمة السورية، حافظ ومازال يحافظ على الهوية الوطنية التي تميزه كمجتمع فلسطيني يحمل أبناءه الجنسية العربية الفلسطينية المندغمة في الإطار القومي على أرض سوريا العربية. فهو جزءٌ من الوعاء الحاضن للحركة الوطنية الفلسطينية في الشتات. فجميع قوى وفصائل الشعب الفلسطيني تنشط وسط هذا المخيم، فضلاً عن النقابات والاتحادات والمنظمات الشعبية. ومازال مواطنوه يحافظون على الموروث الشفهي ولذاكرة الوطن الفلسطيني في صفوف الأجيال التي نمت ونشأت خارج فلسطين بعد نكبة 1948، وهي تحمل ديمومة الحلم المشروع في العودة إلى أرض الوطن، والحفاظ على الكينونة الخاصة التي يميزها المخيم الفلسطيني بما يعنيه من ترميز لحق العودة.

علي بدوان كاتب فلسطيني ـ مخيم اليرموك

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري