عروبة الإخباري – نتيجة لأعمال العنف والتخريب المتواترة في ظل عدم اكتمال مؤسسات الدولة، تعرضت مصر لخسارة اقتصادية شاملة.
ورصدت صحيفة المصريون آراء المتخصصين والخبراء ومدى تأثر البلاد اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا من تبعات أحداث العنف وعدم استكمال مؤسسات الدولة من مجلس النواب وحكومة تحظي بأغلبية برلمانية ومجالس محلية منتخبة.
ومن جانبه ذكر الدكتور مختار الشريف -أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة- أن خسائر مصر جراء أعمال العنف تقدر بثلاثمائة مليون جنيه في اليوم الواحد فكل الأنشطة الآن متوقفة سواء السياحة, النقل والاستثمارات, أما الأنشطة الاقتصادية الوحيدة المتبقية اليوم هو دخل قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج.
وأضاف الشريف أن النمو الاقتصادي يلزمه استقرار دائم وليس استقرار متقطع ويجب أن تكون حالة الاستقرار راسخة لأن رأس المال بطبيعته “جبان” ، فيجب أن يتهيأ المجتمع للإنتاج والتهيئة تأتي بإعادة التنظيم وهيكلة بعض مؤسسات الدولة, والشعور العام بالأمان ومن الأهمية الآن التصالح الضريبي مع رجال الأعمال والمستثمرين المديونين وليس أمام الحكومة حل آخر فالتعنت والمطالبة بالاستحقاق الضريبي الكامل هو كلام بعيد عن الواقع, لأننا بحاجة لسيولة وفي الوقت نفسه يكون هذا بمثابة طمأنة للمستثمرين الآخرين الذين نحتاجهم بشدة هذه الأيام, ولأن هذا يحدث في العالم كله.
فيما قال الدكتور حسن اللبيدي -المحلل الاستراتيجي- إنه حينما تكون الدولة غير متكاملة المؤسسات تكون دولة ناقصة كما يترتب عليه وجود معوقات وخسائر فوجود المؤسسات يعطي ثقة وأمانًا اقتصاديًا للمستثمرين وأيضًا بالنسبة للدول الأخرى في إبرام الاتفاقات مع مصر, فحينها يكون هناك برلمان يراقب أداء الحكومة ويصدق علي الاتفاقات والقروض الممنوحة للمستثمرين, أما الآن فأي مستثمر يبرم عقد مع الحكومة لا يمكنه الاطمئنان في ظل حكومة مؤقتة بلا رقيب.
وأضاف اللبيدي أنه بوجود المؤسسات يكون الوضع متحسنًا ولكنه لن يكون ورديا, ولكن من الممكن البدء في الإصلاح الاقتصادي بسرعة أكبر, ويجب أن يعرف الجميع أن بناء الدول لا يستدعي الاستعجال فالأمر يحتاج من ثلاث إلي خمس سنوات, خاصة في وجود هجوم شرس من الثورة المضادة و التي تعطل أي عملية إصلاح, والفساد المستشري في الدولة، وعلى المستوي الدولي سيضفي استكمال مؤسسات الدولة شرعية دولية مما يقوي موقفنا دوليًا و يصعب من التدخل الخارجي في الشؤون المصرية.
و أكد اللبيدي أن الخروج من أزمة تعطيل استكمال الدولة وأحداث العنف يكمن في الحزم والشدة فلا مجال للتأخر في ظل “الفجور الإعلامي” الذي تخطي كل الحدود و في ظل وجود نخبة فاسدة لا ترضي أبدا مهما قدم من تنازلات وبالطبع سيكون هناك صدام كبير يلوح في الأفق لإنهاء هذا الوضع المزري.
ومن جهته قال الدكتور رأفت المحمدي -الباحث في علم الاجتماع السياسي-: ليس هناك منهجية موجودة لقياس المدى الكامل لأثر العنف بدقة ولكن تكلفة العنف الذي نراه في مصر اليوم يمكن أن ينقسم إلى خسائر مادية ومعنوية مباشرة والتي تنتج مباشرة من جراء العنف وأهمها الخسائر البشرية من إصابات ووفيات والتي بدورها تضفي حالة من الاكتآب العام على الشعب المصري والتكاليف الشرطية الباهظة التي تتكبدها الدولة للتصدي للعنف وأخري تنتج عن تبعات العنف ومنها خسارة الفرص المحتملة كفرص الاستثمار الداخلي والخارجي مثلًا.
هذا بخلاف تأثيرات أخرى غير مباشرة للعنف في الشارع المصري وعدم اكتمال هيكل الدولة ومنها التأثير ما وراء الضحايا الحقيقيين وغالبًا ما يكون المجتمع نفسه بحيث يتحمل المجتمع عبئًا اجتماعيًا واقتصاديًا، وبما أننا بلد فقير أصلًا وقد أدت بنا الفترة الانتقالية الصعبة التي مررنا بها إلى صعوبات اقتصادية أكبر فتأثير العنف هنا يكون متفاقمًا مقارنة بتأثيره في دولة مثل ليبيا مثلًا.
وتابع المحمدي: إنه يمكن للعنف أن يؤثر فى التنمية البشرية والاجتماعية في مصر, والمجتمع المصري يستشعر آثار العنف المفرط في الشارع من خلال فقدان التماسك الاجتماعي بين أفراد الشعب هذا بالإضافة إلى زيادة العبء على قيادات الدولة ومؤسساتها ومنها مؤسسة الصحة والقضاء, والجدير بالذكر أن تكلفة منع العنف من الأساس هي أقل بكثير من التصدي للعنف.
وأضاف المحمدي أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان وهو هيئة شبه حكومية, قدر حجم الخسائر في الأرواح 2028 مصابًا و 56 قتيلًا في موجات العنف المتعاقبة منذ الذكري السنوية الثانية للثورة المصرية, وأن هناك 1667 مدنيًا و361 من رجال الشرطة قد تعرضوا لإصابات تتراوح بين الطفيفة والخطيرة, وقتل 53 مدنيًا و ثلاثة من ضباط الشرطة، علاوة على ذلك فإن هناك 35 مؤسسة حكومية و13 مؤسسة خاصة تعرضوا للهجوم.
بدوره قال الدكتور حمدى عبد العظيم -الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية- إن أحداث العنف أدت إلي تراجع بعض المؤشرات الهامة للدولة مثل تصنيف السندات الحكومية المصرية حيث خفضت وكالة موديز لخدمات المستثمرين التصنيف من B3 إلى Caa1 مما يعني الانتقال بالبلاد إلى سبعة درجات دون درجة الاستثمار, و هذا مؤشر سيء لأي مستثمر ليبدأ أي مشروع في مصر وجاء هذا بعد شهر تقريبًا من تخفيض سابق للمؤشر في فبراير2012.
وأضاف عبد العظيم أن الانخفاض هذا يأخذ مصر طبقًا “لموديز” من دولة ملتزمة, تعتبر مضاربة وعرضة لمخاطر ائتمانية عالية ولكن محتملة إلى المصنفة ذات مكانة ضعيفة وعرضة لمخاطر ائتمانية عالية جدًا.
كما أن موقف مصر من المدفوعات الخارجية ممكن أن يتدهور وربما نقع في مشكلة التخلف عن السداد وهذا بدوره كفيل بعدم ضمان دعم مستقبلي خارجي, كما أن هناك عدم استقرار في النظام المصرفي والتي قد تدفع فرض ضوابط أكثر صرامة على رأس المال الودائع المحلية أو معاملات الصرف الأجنبي وهذه مقلقة جدًا لرجال الأعمال والمستثمرين.
ومع وجود حكومة مؤقتة لا يراقبها البرلمان وفي ظل احتجاجات فئوية لا تنتهي ومطالبات بالتعيين من قبل عشرات الآلاف على مستوى الجمهورية والمبالغ الطائلة التي تنفق لإصلاح آثار العنف الذي أدى إلى ارتفاع حاد في التمويل الحكومي.
ولابد من السعي نحو الاستقرار السياسي بأي شكل والحد من الاضطرابات وأحداث العنف في الشارع المصري كما أنه يجب التماسك والتكاتف بين مؤسسات الحكومة، وتحديدًا بين السلطات التنفيذية والسلطات التشريعية والقضائية والجيش، فهذا كفيل بتحسين فعالية الحكومة سياسيًا وتشجيعها على العمل.