ﻋﯿﺴﻰ اﻟﺸﻌﯿﺒﻲ /ﻋﻠﻰ ھﺎﻣﺶ اﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻟﻘﺪس

ﻟﺴﻨﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﻣﺼﺎدر ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت ﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ ھﻨﺎ أو ھﻨﺎك، وﻻ إﻟﻰ ﺗﺄﻛﯿﺪ ﻣﺮﺟﻌﯿﺎت ﻣﻮﺛﻮﻗﺔ ﻋﻠى ھﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ أو ذاك، ﻛﻲ ﻧﻘﻮل ﺑﺜﻘﺔ إن اﻻﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻷردﻧﯿﺔ-اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻘﺪس، ﺟﺎءت ﺗﻌﺒﯿﺮاً ﻋﻦ “ﺗﻘﺪﻳﺮ ﻣﻮﻗﻒ” ﻣﺸﺘﺮك، ﺻﺎﻏﺘﻪ ﻗﺮاءﺗﺎن ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺘﺎن ﻷﺧﻄﺎر داھﻤﺔ، وأﻧﺘﺠﺘﻪ ﺣﺴﺎﺑﺎت وﺗﺤﺴﺒﺎت ﺛﻨﺎﺋﯿﺔ ﻣﺘﻤﺎﺛﻠﺔ، وأﻣﻠﺘﻪ ﺿﺮورات ﻣﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻣﻠﺤﺔ ﺗﺨﺎطﺐ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻗﯿﺪ اﻟﺘﺸﻜﯿﻞ، ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺨﺺ ﺑﯿﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﻓﻘﻂ.

ﻏﯿﺮ أن ھﺬه اﻟﻤﺴﺎھﻤﺔ ﺳﺘﻌﺮض ﻋﻦ ذﻟﻚ ﻛﻠﻪ، وﺗﺘﺤﺎﺷﻰ اﻟﺨﻮض ﻓﻲ ﻏﻤﺎر ﻧﺺ ھﺬه اﻟﻮﺛﯿﻘﺔ، ﻟﻜﻲ ﻧﺘﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ إﺑﺪاء ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻠّﻖ ﻓﻲ اﻷﺟﻮاء، ﺑﺪون أن ﺗﻘﺎرب اﻟﺨﻠﻔﯿﺎت واﻟﻨﻮاﻳﺎ واﻷھﺪاف، ﻧﺎھﯿﻚ ﻋﻦ اﻟﺘﻮﻗﯿﺖ اﻟﺬي ﻳﺸﻲ ﺑﺄن اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎً ﻣﺎ ﻳﻠﻮح ﻓﻲ أﻓﻖ ﻗﺮﻳﺐ، ﺑﺎت ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﺜﻞ ھﺬا اﻻﺳﺘﻌﺠﺎل ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ طﺮﻓﯿﻦ ﺧﺮﺟﺎ ﻣﻦ ﻗﻤﺔ اﻟﺪوﺣﺔ اﻷﺧﯿﺮة ﻣﻔﻌﻤﯿﻦ ﺑﺎﻻرﺗﯿﺎﺑﺎت إزاء ﻣﺮاﻣﻲ ﻣﻠﯿﺎر ﺻﻨﺪوق اﻟﻘﺪس، وﻣﺨﺎطﺮ ﺿﺮب وﺣﺪاﻧﯿﺔ اﻟﺘﻤﺜﯿﻞ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ.

أوﻟﻰ ھﺬه اﻟﻤﻼﺣﻈﺎت ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ أن ھﺬه ھﻲ اﻟﻤﺮة اﻷوﻟﻰ اﻟﺘﻲ ﻳﻮﻗﻊ ﻓﯿﮫﺎ اﻟﻄﺮﻓﺎن اﻷردﻧﻲ واﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﺗﻔﺎق ﻣﻜﺘﻮب. ﻓﺒﺤﺴﺐ ﻣﺎ أﻋﻠﻢ، ﻛﺎﻧﺖ ھﻨﺎك ﻣﻨﺬ ﻗﯿﺎم اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻮطﻨﯿﺔ ﻣﻮاﻗﻒ ﻣﺘﻄﺎﺑﻘﺔ، وﺗﻔﺎھﻤﺎت ﺿﻤﻨﯿﺔ، وﻣﻮاءﻣﺎت ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻣﺘﺒﺎدﻟﺔ، إﻻ أن اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ اﻟﻠﺬﻳﻦ وﻗﻌﺎ، ﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻧﻔﺮاد، اﺗﻔﺎﻗﺎت ﻣﻊ إﺳﺮاﺋﯿﻞ، ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ لهما أن مهرا ﻣﻌﺎً ﻧﺼﺎً ﻣﻦ أي ﻧﻮع، ﺣﻮل أي ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻦ ﺟﻮاﻧﺐ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﻤﺘﺸﻌﺒﺔ بينهما.

ﺛﺎﻧﯿﺎ، أن ھﺬا اﻻﺗﻔﺎق اﻟﺬي ﻛﺮس اﻟﻤﻠﻚ “ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻮﺻﺎﻳﺔ وﺧﺎدم اﻷﻣﺎﻛﻦ اﻟﻤﻘﺪﺳﺔ”، ﻳﻘﻮﻧﻦ اﻟﺪور اﻷردﻧﻲ وﻳﺸﺮﻋﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺪس، ﺑﻤﺼﺎدﻗﺔ رﺳﻤﯿﺔ ﻓﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ھﻲ اﻷوﻟﻰ ﻣﻦ ﻧﻮﻋها. وھﻮ أﻣﺮ ﻳﺮﻗﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ اﻟﺒﯿﻌﺔ اﻟﺘﺎرﻳﺨﯿﺔ اﻟﺸﻔﻮﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻀﻰ ﻋﻠﯿها ﻧﺤﻮ ﺗﺴﻌﯿﻦ ﻋﺎﻣﺎً، وﻳﻌﻠﻮ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺣﻘﻮﻗﯿﺔ ﻋﻠﻰ وﺿﻌﯿﺔ اﻹﻗﺮار اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮار اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ اﻷردﻧﯿﺔ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻟﻠﻘﺪس واﻷوﻗﺎف اﻻﺳﻼﻣﯿﺔ، ﺑﻞ ﻳﺘﺠﺎوز ﻣﺎ ﻧﺺ ﻋﻠﯿﻪ اﺗﻔﺎق وادي ﻋﺮﺑﺔ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻟﻘﺪس.

ﺛﺎﻟﺜﺎ، أن ھﺬا اﻻﺗﻔﺎق ھﻮ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ اﻟﻌﻤﻠﻲ اﻟﻤﻠﻤﻮس ﻋﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﺮاﺣﻞ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ-اﻷردﻧﯿﺔ دﻓﺌﺎً، أو ﻗﻞ ھﻮ اﻟﺘﺘﻮﻳﺞ ﻋﻠﻰ رؤوس اﻷﺷهاد ﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ذھﺒﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺸﺒها أي ﺷﺎﺋﺒﺔ ﻓﻲ ﻋهد اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪﷲ اﻟﺜﺎﻧﻲ وزﻣﻦ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻣﺤﻤﻮد ﻋﺒﺎس، اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﻘﻄﻊ اﻟﺸﻚ ﺑﺎﻟﯿﻘﯿﻦ ﺑﺄن ھﺬه اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻤﺘﻌﺎﻓﯿﺔ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻣﻦ ﻛﻞ اﻻرﺗﯿﺎﺑﺎت واﻟﺤﺴﺎﺳﯿﺎت اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﻣﺆھﻠﺔ ﻟﻠﺼﻤﻮد ﻓﻲ وﺟﻪ اﻟﻤﺘﻐﯿﺮات، وﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﺒﻨﺎء ﺣﺠﺮاً ﻓﻮق ﺣﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺪاﻣﯿﻚ راﺳﺨﺔ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﺔ ﺟﯿﻮ-ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻣﺘﺤﻮﻟﺔ، وﺣﻘﺎﺋﻖ دﻳﻤﻐﺮاﻓﯿﺔ ﺛﺎﺑﺘﺔ.

راﺑﻌﺎ، أﻧها اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺴﺒﻮﻗﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻘﻮم ﻓﯿها ﻗﯿﺎﻣﺔ اﻟﻔﺼﺎﺋﻞ واﻷﺣﺰاب واﻹﻋﻼم ﻋﻠﻰ ﻛﻼ اﻟﻀﻔﺘﯿﻦ، ﺿﺪ أي ﺧﻄﻮة أو ﻣﻮﻗﻒ ﻳﺼﺪر ﻋﻦ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻮطﻨﯿﺔ، ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻹﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ و”ﺣﻤﺎس”، وﻛﻞ اﻟﻤهووﺳﯿﻦ ﺑﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﻤﺆاﻣﺮة. إذ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎء ﺑﻌﺾ اﻷﺻﻮات اﻟﺘﻲ اﻋﺘﺮﺿﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻜﻞ وﺗﺴﺎءﻟﺖ ﻋﻦ ﻣﻐﺰى اﻟﺘﻮﻗﯿﺖ، ﺑﺪون أن ﺗﺘﻨﺎول ﻓﺤﻮى اﻟﻨﺺ، دﺧﻞ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻌﺎم ﻓﻲ اﻷردن وﻓﻠﺴﻄﯿﻦ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻮاﻓﻘﺔ ﺿﻤﻨﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺤﺪث  ھﻜﺬا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ.

ﺧﺎﻣﺴﺎ، أن ھﺬا اﻻﺗﻔﺎق اﻟﺬي وﻗﻌﻪ أول زاﺋﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻠﺴﻄﯿﻦ اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ ﻓﻲ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة، ھﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺣﺎﺋﻂ ﺻﺪ إﺿﺎﻓﻲ ﻟﻌﻤﻠﯿﺔ “أﺳﺮﻟﺔ” ﺗﺴﺎﺑﻖ ﻧﻔﺴها ﺑﻨﻔﺴها ﻓﻲ اﻟﻘﺪس، أو ﻗﻞ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻛﺘﻒ ذي ﻣﻜﺎﻧﺔ دوﻟﯿﺔ ﻣﺮﻣﻮﻗﺔ نهض ﻟﺤﻤﻞ ﻗﺴﻂ ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻌﺐء اﻟﺜﻘﯿﻞ، وذﻟﻚ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺘﻒ هك أﻋﯿﺎ ﺻﺎﺣﺒﻪ طﻮل اﻟﻮﻗﻮف وﺣﯿﺪاً ﻓي ﻣﻤﺮ اﻟﻤﺎراﺛﻮن، ﻟﻌﻞ اﻟﻘﻮم ﻳﺄﺗﻮن زراﻓﺎت ذات ﻳﻮم، وﻳﺆﻣﻤﻮن وﺟﻮھهم ﺷﻄﺮ أول ﻗﺒﻠﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ، ﻓﻜﺎن اﻟﻤﻠﻚ ﻋﺒﺪﷲ أول اﻟﻮاﺻﻠﯿﻦ.

ﺧﺘﺎﻣﺎً، أﺣﺴﺐ أن ھﺬا اﻻﺗﻔﺎق اﻟﻤﻮﻗﻊ ﺑﺎﻟﺘﺮاﺿﻲ، واﻟﺬي ﺟﺮى اﻻﺣﺘﻔﺎل ﺑﻪ وﺳﻂ ﻣﺮاﺳﻢ ﻣﻠﻜﯿﺔ ﺑﺎذﺧﺔ، ھﻮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ رﺑﺢ ﺻﺎٍف ﺻﺐ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﻘﺪس، ﺣﺎﺿﺮاً وﻣﺴﺘﻘﺒﻼً، وﻗﻄﻊ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺚ ﺑﺎﻟﺘﻤﺜﯿﻞ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﻲ، ﻓﻮق أﻧﻪ ﻛﺴٌﺐ ﺗﺎم ﻟﻢ ﻳﺪﻓﻊ ﻓﯿﻪ اﻟﻄﺮﻓﺎن ﻟﺒﻌﻀهما  ﺑﻌﻀﺎً أي ﻣﻘﺎﺑﻞ أو ﺗﻨﺎزل؛ ﻓﺎﻟﻮﺻﺎﻳﺔ اﻷردﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻘﺪﺳﺎت ﻻ ﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎدة اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻣﻞ إﻗﻠﯿﻢ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﯿﺔ. وﻓﻮق ذﻟﻚ، ﺑﺎت ﻟﺪى اﻟﻘﺪس ﻏﻄﺎء ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻳﺮﺗﺪﻳﻪ ﻣﻠﻚ ﻳﺜﻖ ﺑﻪ اﻟﻐﺮب، وﺗﺪرك إﺳﺮاﺋﯿﻞ أن ﻋﻨﺪه ﺣﺎﺋﻂ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻔﺰ ﻋﻨﻪ.

Related posts

رئيس حزبي لمجلس النواب العشرين*أ. د. ليث كمال نصراوين

من يدفع فاتورة الحرب وكيف نتعامل مع آثار العدوان؟* حسين الرواشدة

توجهات إيجابية في ميدان الشراكة بين القطاعين العام والخاص* د. محمد أبو حمور