يمثل إعلان كوريا الشمالية أنها «في حال حرب» مع الشطر الجنوبي و «الإمبريالية» الأميركية، إشهار إفلاس سياسي وأخلاقي أكثر من كونه رغبة في القتال، إذ إن الدفع بالأمور إلى حافة الهاوية في بلد نووي يملك ترسانة أسلحة صاروخية واستراتيجية، يعتبر الابتزاز الأجدى في استمرار استقطاب المساعدات والمعونات من دون تقديم أي تنازل من الطغمة العسكرية الحاكمة. نجحت بيونغيانغ سابقاً في هكذا نوع من الابتزاز، وحصلت على المعونات المالية السخية من «الإمبرياليين» في الشطر الجنوبي واليابان، وتلقت مساعدات من «الأصدقاء» في روسيا، والمواد الغذائية والإغاثية والنصائح من «الرفاق الصينيين».
ويبدو أن شراهة عدد كبير جداً من الجنرالات في الحكم الديكتاتوري في كوريا الشمالية للبذخ والرفاه، إضافة إلى عائلة كيم وحاشيتها، تدفع إلى مزيد من التهديد العسكري لابتزاز المزيد من المساعدات، التي تصرف بكاملها إما من اجل تجديد الآلة الحربية أو ضمان العيش الرغد لقلة من القائمين على الحكم الديكتاتوري، في حين تعيش الغالبية الساحقة من الكوريين الشماليين في الفقر المدقع، وآخر أشكال هذا الابتزاز التجربة النووية الأخيرة التي قوبلت بعقوبات دولية جديدة، وبموافقة روسيا والصين.
لكن، ورغم القناعة الدولية بأن التصعيد من بيونغيانغ يقع فعلاً في دائرة الابتزاز، وصولاً إلى حوار يحقق أغراض هذا الابتزاز، كما يظهر من ردود كل المعنيين، وخصوصاً كوريا الجنوبية والصين، فإن احتمال الانزلاق إلى حرب فعلية، بفعل أي خطأ غير محسوب، يظل قائماً.
وفي مثل هذه الحال، تتحمل موسكو مسؤولية أخلاقية وسياسية، بسبب خضّها النظام الديكتاتوري في كوريا الشمالية على اعتماد سياسة التصعيد بدل الحوار الذي طُرح عليه مراراً من سيول ومن واشنطن على السواء.
تتحمل موسكو مسؤولية اندفاع الجنرالات في بيونغيانغ الى التسلح، وتسريب أسلحة دمار شامل، بدل الاهتمام بالتنمية الداخلية وتحسين الوضع المعيشي لمواطنيهم، وتكون هذه المسؤولية أكبر عندما يكون واضحاً أن تثبيت حكم كيم الثالث يمر عبر طرح التحدي الكامل في مواجهة «الامبرياليين»، أي كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة.
فموسكو تضع هذه الأزمة في إطار المنافسة الكبرى مع الولايات المتحدة، بل هي تريد العودة إلى العمل بميزان القوى الذي رسا عليه العالم بعد الحرب العالمية الثانية، كما أعلن لمناسبة القمة الروسية-الصينية الأخيرة، اي تريد أن تنال حصة الاتحاد السوفياتي السابق، في الوقت الذي جرى تغير هائل في ميزان القوى هذا، وفي مقدمه انتهاء هذا الاتحاد وكتلته الشرقية، وصعود قوى كبرى جديدة، في مقدمها الصين والهند، اللتان ترتبطان اقتصادياً بشبكة معقدة من العلاقات مع العالم «الإمبريالي» السابق.
لذلك، تبدو العودة إلى تقاسم العالم على اساس ميزان قوى لم يعد موجوداً وتبددت عناصره، ونشوء معطيات وقوى جديدة، غير ممكنة إلا في ظل استعار التوتر والتهديد بالحروب، أو حتى نشوبها في بعض الأماكن، فالحرب الكورية الثانية في حال حصولها، ستكون جزءاً من استراتيجية الدفع في اتجاه العودة الى ميزان قوى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي منطقتنا، تمثَّلَ الجهد الروسي الآنف الذكر بدعم النظام السوري، الذي لا يشبهه في العالم سوى النظام الكوري الشمالي، وهو دعم أدى إلى الكارثة المعروفة. وتأسيساً على ذلك، يمكن توقُّع أن أي كارثة مماثلة في آسيا لن تكون رادعا لموقف روسي يستسهل تجارة الدماء.