نزف الدماء في سوريا يبدو أن وقفه غير قريب.. أما تداعياته فخطيرة على الدول المجاورة لسوريا، وشرارات النار بدأت تظهر.
لقد كانت نتائج «الربيع العربي» مختلفة من بلد إلى آخر. إصلاحات سياسية في كل من المغرب والأردن. القضاء على نظام دكتاتوري في ليبيا بمساعدة خارجية. انهيار نظامين دكتاتوريين في كل من مصر وتونس، وتلقف تنظيم الإخوان المسلمين بنسختين متمايزتين، السلطة من خلال انتخابات كانت القوى السياسية المنافسة غير مستعدة لها. وتغيير في قيادة الدولة في اليمن بدعم من دول مجلس التعاون والولايات المتحدة. أما في البحرين، فلم تجنِ القوى السياسية، التي بدأت الحراك أياً من مطالبها، التي ذهبت ضحية اصطفافات طائفية محلية وإقليمية. لكن «الربيع العربي» بالتأكيد قد تحوّل إلى جحيم في سوريا، التي عوّدتنا أن نسمع عن مقتل أكثر من مائة شخص يوميا منذ حوالي سنتين، والى قصف مدن بالطائرات والصواريخ البعيدة المدى التي حولت مشاهد الدمار في هذه المدن الى مدن أشباح مرغمة أهلها على الهجرة الى دول أخرى أو مدن أخرى داخل سوريا حتى بلغ عدد المهاجرين في سوريا ثلاثة ملايين بين الداخل والخارج. إضافة الى أنها ولدت توترات طائفية أخذت تنخر في عقول وعواطف شعوب الدول المجاورة.
فلم يكن يتوقع أن يحصل نظام ادعى العلمانية وزرع أبناء طائفته العلوية في الجيش والأجهزة الأمنية على هذا الدعم من ايران و«حزب الله». فلم يكن في البال أن تقايض ايران و«حزب الله» علاقتهما بالمحيطين العربي والإسلامي من أجل نظام يعرف كل منهما مدى قسوته وظلمه لشعبه. ولم نتخيل أن نسمع مثلا تصريحات تربط مستقبل النظام السوري بمستقبل إيران نفسها. فقد صرح مهدي طائب -وهو رجل دين بارز في ايران- بأنه «إذا خسرنا سوريا فسنخسر طهران. إن سوريا هي المحافظة الإيرانية رقم 35 الأكثر استراتيجية إلينا. فإذا هاجمنا العدو في سوريا أو في خوزستان، فالأولى بنا أن نحتفظ بسوريا». ويبدو أن المال والسلاح والمرجعية الفقهية التي زودت بها ايران «حزب الله»، أغشت عيونه حتى عن تقدير الوضع الإنساني في سوريا. وأن يغض الطرف عن قصف نظام الأسد لشعبه بالصواريخ التي يفترض أنه حصل عليها لمحاربة اسرائيل. وقد تعرض «حزب الله» الى انتقاد قوي من رجل الدين الشيعي اللبناني صبحي الطفيلي على موقفه الداعم لنظام الأسد، وهي حالة نادرة في ظل هيمنة «حزب الله» على الرأي الشيعي في لبنان.
ويبدو أن الحرب الأهلية في سوريا بدأت تمتد شرارتها إلى العراق الذي كان دائما يعاني من توترات طائفية تفاقمت بعد الغزو الأميركي. فنظام المحاصصة الطائفية في بغداد قلق من هذا القتال الذي امتد الى مدن عراقية مجاورة، وقلق أكثر من الدعم الذي يحصل عليه الجيش السوري الحر من العراقيين الذين يرتبطون بهم عائليا وعشائريا ويتعاطفون معهم طائفيا. ومن جهة أخرى، فإن الجيش العراقي أخذ يوفر بعض الدعم لجيش الأسد. وأخذ المالكي ينظر الى أن سقوط نظام الأسد، لن يكون في مصلحته، وأن هذا سوف يؤدي الى تقوية السُّنة في العراق، ويجعل من سوريا امتدادا طبيعيا للموصل والأنبار والقائم والبوكمال. لذا لم يتوانَ المالكي في إطلاق التصريحات الداعمة لنظام الأسد، مُصرّا على أن نظام الأسد «لم يسقط ولن يسقط.. ولماذا يسقط؟»، هذا النظام الذي يدافع عنه المالكي هو نفسه الذي كان يرسل الإرهابيين للعراق الذين كانوا يفجّرون أنفسهم بالأحياء والمساجد الشيعية.
لكن المالكي وغيره يعرفون حدودهم، فقد نقل مشرق عباس في «الحياة» بتاريخ 2013/3/10 تصريحا لقائد عسكري عراقي يقول فيه: «لن تتورط القيادة السياسية في بغداد ويدفع الجيش الى الصراع مع الجيش السوري الحر داخل الحدود السورية، وحتى لو صدر فسترفضه قيادة الجيش العراقي.. فستجد نفسها محاطة بالنيران من كل جانب». إشارة الى تعاطف العراقيين في المدن المجاورة مع الجيش السوري الحر.
ليست هناك دلائل على أن الحرب الأهلية في سوريا ستنتهي عن قريب، إن باتفاق أو بانتصار أي من الأطراف على الآخر. المأساة والعذابات مستمرة على السوريين والأمراض الطائفية تنتشر. أمراض لا تقاومها المضادات الحيوية، ولم تطور لقاحات لمحاربتها.