بلا شك كان أفضل و الإختلالات التي ظهرت بعدها تعزى للأزمة المالية العالمية , وليس للسياسات كما لا يمكن أن تحمل للأشخاص ممن تولوا المسؤولية بغض النظر عن مدارسهم الإقتصادية الا بقدر اجتهاداتهم التي تصيب وتخطئ .
الأردن لم يكن في يوم من الأيام إلا إقتصادا رأسماليا إجتماعيا , فهو لم يعرف الإشتراكية , كما أنه لم يعرف الرأسمالية المتوحشة , فمن قاد وأنشأ المؤسسات الإقتصادية الكبيرة والناجحة كان دائما هو القطاع الخاص .
هناك من يطالب اليوم بشطب عقد من الإنجازات , ويعتبر مجرد الكلام عن إنجازات تحققت كلاما ليس دقيقا بل خاطئا كليا … فالإقتصاد الأردني كان يسير بخطى متوازنة في تحقيق النمو وتخفيض البطالة ومحاصرة الفقر بفضل السياسات الإقتصادية التي أتبعت قبل عام 2008 , غير أن الإنتكاسة وهي ذاتها التي أصابت معظم إقتصادات العالم التي إتبعت ذات النهج في سياق إتجاه عالمي إتخذ من العولمة وتحرير الأسواق سياسة ثابتة , والإقتصاد المعرفي الذي لا يزال كثير من شخوص الحقبة السابقة غير مدركين لأهميته وغير قادرين على مواكبته , حتى أن الإقتصادات التي كانت أكثر تشددا سارعت وبذلت جهودا كبيرة وتنازلات هائلة للإلتحاق بركب العالم الحر , أو على الأقل فتحت نوافذ مكنتها من ذلك لقطف الثمار ( الصين مثلا ) , لكن الإنتكاسة حدثت عندما إندلعت الأزمة المالية العالمية التي لم تخطيء نتائجها سياسة إقتصاد السوق بل إنتقدت تجاوزها بتجاهل الرقابة التي تفرضها وتتمسك بها سياسة إقتصاد السوق وهو ما لم يحدث في الأردن , حيث ساهمت رقابة سوق رأس المال والهيئات الأخرى في التخفيف من حدة الأزمة , ولأن الأردن يتأثر ولا يؤثر في مسار الإقتصاد العالمي جاءت النتائج كما هي عليه اليوم من تراجع وأزمات متتالية وعجوزات كبيرة ومديونية ضخمة .
بينما يستمر كل هذا الدفق من الإتهامات حول نهج الدولة الإقتصادي ورموز سياسات إقتصاد السوق لم نسمع كلاما جادا من قيادات تيار الإتهام ، ما يخالف سياسات إقتصاد السوق اللهم الا إثارة غبار التأميم كأبرز عنوان لتعميق دور الدولة في الرعاية , فالمصطلحات التي تجد رواجا تدور حول العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص وتعزيز الإنتاجية , وهي عناوين لم تخرج عن أهداف الليبرالية .
في الأردن قبل عام 2008 سعى النموذج الاقتصادي المتهم اليوم باختطاف الدولة !! الى تحقيق هذه الأهداف والسير قدما نحو الدولة المدنية التي تكافئ الفرد المواطن بمقدار ما يقدم من جهد في سياق مظلة تعظم الإبداع والإنتاج , في إحلال كان ضروريا لما عرف بدور الدولة « الراعي « وهو نموذج معاكس اختطف الدولة لغاية عام 89 وقد فشل في تكريس مبادئ تكافؤ الفرص , عبر التوظيف للمكافأة كهدف وليس لحاجة ما ساهم في بناء قطاع عام متضخم ومترهل وفائض عن الحاجة ومديونية كبيرة وعجز هائل .
السباق اليوم يذهب لأخذ الدولة مجددا الى نموذج « الراعي « في محاولة اختطاف جديدة في خلط عجيب يحاكي الربيع العربي الذي لم يحسن حتى اللحظة سوى إنجاب مولود مشوه إسمه الفوضى .